يتعرض كل من الطفل والمرأة للعنف بشكل يومي في جميع المجتمعات والشعوب حتى في الدول المتقدمة، ومع أن الرجل يتعرض للعنف أيضاً، إلا أن الإحصائيات العالمية تشير إلى أن المرأة والطفل أكثر تعرضاً للتعنيف من الرجل بأشكاله وأنواعه المختلفة -العنف الجسدي والنفسي واللفظي والجنسي والصحي- ذلك لأن المرأة والطفل هما الأضعف جسدياً وعاطفياً، بالرغم من أن المرأة اليوم أصبحت أكثر استقلالية من السابق مادياً وأكثر وعياً بحقوقها إلا أن العنف البربري مازال يحيط بالمرأة ويعرقل مسيراتها ورسالتها في الحياة.
يقول المولى عز وجل «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون». فالسكن والمودة والرحمة هي الدعائم الأساسية لبناء الأسرة التي تبحث عن الراحة والاطمئنان والعيش الكريم، ولم يقل الله، وجعل بينكم الحب، لما لمعنى المودة والرحمة من معانٍ أقوى من معنى الحب، فالحب قد يتعثر مع الأيام، وتظهر عليه ملامح القسوة والأنانية وحب الذات أحياناً، ولكن الرحمة والمودة تأتي مع العشرة الطويلة وتقاسم مصائب الدهر بين الأسرة الواحدة. فالرحمة يأتي من خلالها حب الآخر والإيثار وإنكار الذات في سبيل العيش براحة وهدوء.
وليرجع كل متزوج ومتزوجة إلى الوراء قليلاً، وليتذكر كلاهما تلك الأيام التي كانا يتمنيان أن يكونا معاً فيها، ليتذكر كل منهما تلك الفكرة في الزواج وإتمام نصف الدين، وليستعيدا شريط الذكريات لإتمام الارتباط الشرعي، سواء إن كانت هذه الزيجة ناتجة عن حب وعاطفة متبادلة، أو ساعد فيها أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء، وليتذكر كلاهما حاجتهما لبعض سواء إن كانت حاجات نفسية أو معنوية أو جنسية، وليتذكر كلاهما لحظة الخطوبة أو الزواج والسكن النفسي الحقيقي الذي حظي كلاهما به ليكون ثمرة ذلك الأولاد، من بنين وبنات، كل ذلك من نعم المولى عز وجل على الإنسان حتى لا يكون منعزلاً، بل فرداً يحب، ومحبوباً أيضاً من قبل الآخرين، وخصوصاً من أفراد أسرته، وهذه هي سنة الحياة في إنشاء حياة جديدة، لجيل جديد يواصل مسيرة الخلافة على الأرض.
فبعد السكن والمودة والرحمة، من أين أتت القسوة والعنف في بعض الأسر؟ ومن أين أتى التعنيف والظلم على أفراد الأسرة الواحدة؟ ولماذا يقسو بعض الأزواج على نصفهم الآخر؟ يعاملها كأنها عدوة وليست حبيبته وأم عياله؟ قد يصب البعض مسؤولية العنف الأسري على بعض الجهات، بل يبحث البعض من خلالها الحلول والإرشاد، ويتناسى أن ذلك كله بيد رب الأسرة فهو المحرك الأساسي لسعادة أو تعاسة أي فرد من أفراد أسرته، فإذا كانت العصمة بيد الرجل، وعليه تقع مسؤولية الإنفاق والحماية والرعاية، فسعادة الأسرة تقع عليه أيضاً مادام يملك زمام أسرته. من السهل الخروج من الأسرة بمبررات نسجت من أجل التبرير فقط، ولكن من منا يريد لأسرته وأولاده التعاسة والخذلان؟ من يريد أن ينثر بذور العنف والتعاسة في داخل كل جيل؟ ما خلقنا المولى عز وجل ليتعسنا ولم نرزق الأولاد لنعذبهم ونشقيهم، ولم نكون أسرتنا من أجل الأخذ بالثأر، الثأر من طفولة تعيسة أو الثأر من الزوجة أو الثأر من الأولاد. فمفتاح المودة والرحمة بيدك يا صاحب العصمة، وهذه أسرتك إن شئت أسعدتها ودافعت عنها وعن حقوقها وإن شئت أشقيتها ومشيت في دائرة العنف للأجيال القادمة، ولا تلم أحداً إن عنف يوماً أحد أفراد أسرتك، فأنت من بدأ بذلك داخل أسرته، ومهدت للآخرين سبل التعنيف.