لا يمكن لأي عاقل مسلم أن يشمت بتفجيرات باريس أو أي عمل إرهابي يضرب أوروبا إلا إذا كان من مؤيدي الإرهاب، فنحن العرب تعاطفنا مع الضحايا والجرحى من الأبرياء في فرنسا بما يكفي لنثبت للعالم أننا ضد هذا التوحش الذي مازال يتمدد في الآفاق بفضل بعض البرمجيات السياسية العالمية.
لكننا في نفس الوقت، نتمنى أن يكون التفجير الإرهابي الباريسي بمثابة «قرصة الأذن» التي ربما تستفيق على وقعها كل الدول الأوروبية لتتعرف على حجم ما تعاني منه دول الشرق الأوسط من أعمال إرهابية كل يوم وفي كل ساعة، فما أن ينقضي يوم واحد من الموت «الأوسطي» حتى نستيقظ على موت أكبر منه وأكثر منه وحشية، فما أصاب فرنسا من إرهاب، لا يعادل في حجمه ما يموت من جهتنا من الأبرياء كل ساعة، لكن مع فارق التوقيت والعنصرية، فقتلاهم أغلى من قتلانا، أمَّا الإرهاب الذي يضربنا فهو لا يُرى بعينهم المجردة، لكن الإرهاب الذي يضربهم فإنهم يمثل كارثة حقيقية بالنسبة لمقاييسهم.
إنها المعايير الغربية التي تحمل في طياتهم الكثير من الازدواجية، ولهذا بقدر ألمنا لموت الضحايا لديهم، نتمنى منهم أن يتألموا ولو بنصف الألم الذي يجتاح قلوبنا لو ضرب الإرهاب دولنا، وذلك بغض النظر عن هوية الإرهاب والإرهابيين، وعليه هل سيصحو الضمير الغربي بعد أحداث باريس؟ أم سيظل دمهم يختلف من حيث القيمة ورفع حالات التأهب الأمني عن دمنا الذي يسفك كل دقيقة في شوارعنا وهم يتفرجون وربما يضحكون؟
مئات آلاف من الأبرياء الشهداء قضوا جراء عمليات إرهابية ضربت العواصم العربية والإسلامية خلال الربيع العربي، وربما تكون حصيلة شهداء باريس أقل بكثير من عملية عابرة في أحد شوارع بغداد أو سيناء أو لبنان أو أي بقعة عربية أخرى، ومع ذلك فإننا لم نسمع إدانة أو شجب من طرف الدول الغربية، إلا في قليل من الأحيان، ومن أجل ذر الرماد في عيون العالم الغافل أصلاً!
على فرنسا والغرب أن يدركوا حقيقة مهمة للغاية، وهي أنصع من الشمس في وَضح النهار، وهي أن الدماء التي تراق واحدة، والقاتل واحد والضحية واحدة أيضاً، ولهذا لا مجال لدينا اليوم للمجاملة أو لفرض معايير مزدوجة أو حتى للتفاضل بين دماء ودماء، وأبرياء وأبرياء، وبين إرهاب وإرهاب يشبهه في كل التفاصيل، فوجع فرنسا الذي هز الكيان الأوروبي، نحن أولى به منهم، فأوجاعنا التي اخترقت حدود الإنسانية، لم نسمع لها صدى في أوروبا، أمَّا ضحاياهم فإنهم يستحقون أن تزحف لأجل دمائهم بارجاتهم الحربية وكل ترساناتهم النووية، لكن حين يكون القتيل عربياً فهذا أمر أقل من تافهٍ بالنسبة لهم. وصدق الشاعر أديب إسحاق حين قال:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفرْ
وقتل شعب كامل مسألة فيها نظرْ