قول وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة إن «لندن مازالت تستخدم كقاعدة للنشاط الإرهابي والتحريضي ضد البحرين» عبر حقيقة واقعة لن تفوق منها بريطانيا إلا بعد أن تعاني كما عانت فرنسا ودول أخرى بالغت في رفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولعلها تنال قريباً ضربة على رأسها تجعلها تعيد كل حساباتها وتراجع كل الشعارات التي ترفعها، فبريطانيا تعتقد أن الناس في كل العالم مروا بما مرت به واستوعبوا الديمقراطية وأنه ليس بينهم من هم دون القدرة على استغلال القانون لمصلحتهم من دون أي اعتبار للبلاد التي تستضيفهم.
خلال العامين الأخيرين استغل البعض ممن أتاحت له القوانين البريطانية العيش في لندن الكثير من القوانين التي تسببت في إحراج الحكومة البريطانية وأثرت على علاقاتها مع الدول التي ينتمي إليها ذلك البعض الذي لا يهمه تعرض الحكومة هناك لأي حرج، خصوصاً وأن القانون يحميه ويوفر له الهامش الذي يمكنه التحرك فيه بكل حرية، فما يعنيه هو أن يحقق ما يخطط له وما يشغل باله ويسيطر عليه.
ليست هذه دعوة للتضييق على الحريات ولكن لعدم المبالغة فيها وتوفيرها لمن يفتقر القدرة على التعامل معها والعيش فيها. بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يغير القوانين في بريطانيا ولا أن يحد من الحريات التي يوفرها دستورها لمواطنيها والمقيمين فيها واللاجئين إليها، ولكن هذا لا يعني عدم تنبيه هذه الدولة المتحضرة إلى ما يجري فيها ومن يستغل قوانينها لمصلحته ويؤثر بفعله على إيقاع حياتها وعلاقاتها مع الدول الأخرى، خصوصاً تلك التي ترتبط معها بمعاهدات واتفاقات وتربطها بها علاقات قديمة ووطيدة .
بالتأكيد أيضاً ليس بخاف على الحكومة البريطانية أن البعض ممن اختار معاداة وطنه واستضافته بحكم القوانين المعتمدة لديها يستخدم لندن كقاعدة للنشاط الإرهابي والتحريض ضد البحرين، فهذا أمر واضح لها وتعرفه جيداً والأكيد أن قدراتها وخبراتها تعينها على معرفة تفاصيل الحياة اليومية لذلك البعض. لكن كل هذا لا يمكن أن يحميها من سلوكيات طائشة يمارسها بعض من ذلك البعض، يفتقر إلى القدرة على فهم قوانينها أو يتعمد ذلك فيسيء استخدامها ويوظفها بطريقة تتسبب في أذى مواطنيها والمقيمين هناك.
ليس من الحكمة أن تنتظر بريطانيا حتى تقع الفأس في الرأس، ويكفيها النظر حولها لتدرك أن من قام بأعمال التخريب في فرنسا وغيرها استفاد من القوانين هناك ووظفها لصالحه ومن دون أن يهتم بما قد تؤدي إليه تصرفاته الطائشة من أضرار على البلد الذي استضافه.
من حق بريطانيا أن تستضيف من تشاء وتتعاطف مع من تشاء وتدعم من تشاء، وليس لأحد أن يتدخل في قوانينها التي يحكمها دستورها، ولكن من حقنا أيضاً أن نرفض سماحها لإدارة نشاط إرهابي وتحريضي يمارسه البعض ضد وطننا من أرضها، وتنبيهها إلى ذلك، وإلى أن ما يقوم به ذلك البعض يؤثر على العلاقات بينها وبين الدول التي ينتمي إليها من تستضيفهم، كذلك تنبيهها إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يعرضها وشعبها للمخاطر، فهؤلاء الذين يتعاطف معهم البعض هناك بسبب الخطاب العاطفي الذي يعتمدونه للإساءة إلى البحرين لن يترددوا عن الإساءة إليها لو أنها اتخذت أي خطوة قدروا أنها قد تتسبب في أذاهم أو تعيق تحركهم، ولن يترددوا عن الإساءة إليها لحظة أن يتمكنوا من ذلك. ولعل الحكومة البريطانية لاحظت موقف ذلك البعض منها فيما يخص القاعدة البريطانية التي يتم بناؤها حالياً في البحرين وانتقاده لكثير من المواقف البريطانية.
لن يطول الوقت حتى تفوق لندن من سباتها لكن المأمول أن يكون ذلك قبل أن يأتيها ما أتى باريس.