في العصر النووي الحديث، تُحدثنا الجهات المسؤولة اليوم عن عدد الصهاريج التي انطلقت لشفط مياه أمطار عادية لم تدم سوى دقائق، فكيف لو استمر سقوط الأمطار لأيام وبشكل غزير؟



أستذكر قبل نحو عامين من الآن، وجَّهت وزارة الأشغال دعوة للإعلاميين لحضور مؤتمر صحافي لمناقشة مشكلة مياه الأمطار وكل ما يتعلق بشبكة تصريفها، وحاولتْ الوزارة حينها تبرير غرق البحرين في ذلك الوقت لذات السبب التي كانت تغرق منه قبل 50 عاماً، ومع ذلك حاولنا أن نتقبل تبريرها على مضض، وكنَّا مؤمِّلين أن تنتهي مشكلة تجمع الأمطار بانتهاء المؤتمر لكن ذلك لم يحدث.
استيقظ البحرينيون يوم الأربعاء الماضي على وَقْعِ صدمة تجمع مياه الأمطار في كل شوارع المملكة للمرة «الألف». فمِن أيام طفولتنا منذ بداية السبعينات وإلى يومنا هذا لم تتغير خريطة تجمع مياه الأمطار، بل بتنا نحفظ عن ظهر قلب كل الشوارع والأزقة التي تتجمع فيها المياه، ولم تدرك الأشغال حتى هذه اللحظة أنها لم تنجز ما يمكن أن يشفع لها من سوء تخطيط - إن كان هنالك تخطيط أصلاً - لشبكة صرف مياه الأمطار في بلد ليس من البلدان الاستوائية!
في العصر النووي الحديث، تُحدثنا الجهات المسؤولة اليوم عن عدد الصهاريج التي انطلقت لشفط مياه أمطار عادية لم تدم سوى دقائق، فكيف لو استمر سقوط الأمطار لأيام وبشكل غزير؟
نحن نعتقد أن شوارعنا تمتلك الإجابة القاطعة على هذا السؤال، وهو أن منازلنا وشوارعنا وحتى صهاريج شفط أمطارنا سوف تغرق كلها لو استمر سقوط الأمطار الغزيرة لأيام متتالية، وحينها لن ينفع اللوم والعتب ولا حتى هذا المقال الذي يحاول توصيل هموم الناس إلى المسؤول عن هذه المهازل الموسمية.
ليست المناطق القديمة هي التي غرقت فقط، بل هنالك مناطق بِكْر غرقت كذلك، في الوقت الذي كان ينبغي ألا تغرق، لأنها يجب أن تمتلك كل قواعد الخدمات الأساسية والتي من أهمها وجود شبكة صرف مياهٍ للأمطار حتى لا تغرق كما حدث للكثير من تلكم المناطق، وهذا يدل على وجود خلل ما، وهذا الخلل إمَّا أن يكون في مسألة التخطيط أو في وجود شبكة فساد بدلاً من وجود شبكة مياه أمطار.
لا يمكن أن نتقبل بأن تتهاطل أمطار بسيطة لتشل شوارع البحرين قاطبة، فتعطل حركة السير والأعمال والمدارس والأسواق والتجارة والمستشفيات وكل شيء، ثم تقوم الجهات المعنية بعقد مؤتمرات صحافية باردة لتبرير كل ذلك التقصير، وهذا لا يمكن أن يتقبله الناس، لأن الأضرار الناجمة من الأمطار والتي خلفتها مستنقعاته أكثر من أن يحتويها مؤتمر يمتص غضبهم وتململهم من الوعود المملة والمتكررة التي تتغنى بها كل تلكم الجهات التي نطلق عليها بالمعنية وهي على أرض الواقع غير معنية وغير مهتمة بالشأن الذي من المفترض أن تكون معنية به.
يجب على وزارة الأشغال ومعها البلديات وكل جهة لها علاقة بهذه الأزمة الموسمية أن يقوموا بأي فعل للبحرين يقيها ويقي الناس من أمطار لو سقطت في بلد فقير كتايلند لغرقت. لابد لهذه الجهات أن تهتم بمشكلة صرف مياه الأمطار حتى لا نجد أي أثر لقطرة مطر في شوارعنا وحتى في مخيلاتنا التي عجزت عن فهم ما يحدث كل شتاء، فهل هناك من يشعر بالألم أو الخجل؟