بغض النظر عن ما وصلت إليه الأزمة المالية العالمية ومدى تأثيرها الخطير والسلبي على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي - وأخص بالذكر مملكة البحرين - تظل هناك بعض الأمور المتعلقة بالاقتصاد أو بالأخرى «الخدمات ونوعيتها»، يجب عدم التعرض لها من قريب أو حتى من بعيد، لأن التعرض لها، سواء بالتخفيف من مصروفاتها أو بالتقشف من مخصصاتها، فإنها مسألة تضر مستقبل الوطن، ولربما تضربه في مقتل.
هذه الأمور التي سوف نتحدث عنها بعد قليل، ليس من الضروري أن تظهر نتائجها السلبية في وقتنا الراهن، ولا حتى على المدى القريب، بل هي أزمات تنفجر في وجه الأجيال القادمة، فتربك مستقبل الوطن، وكما قلنا سابقاً، فإن ما يمكن تحسسه في هذه المرحلة، هو غياب أو تدهور بعض الخدمات التي تُقَدَّم للمواطنين لا غير، ومع ذلك، فإن تردي مستوى الخدمات ونوعيتها تؤثر بشكل مباشر على المستوى المعيشي للمواطنين، وعلى العاملين في تلكم القطاعات المهنية الحكومية.
إن ما يجب عدم المساس به من الخدمات المقدمة للمواطنين، هي الخدمات التي تتعلق بالقطاعات الثلاثة التالية: التعليم والصحة والأمن. حيث إن هذه القطاعات تعتبر من القطاعات التي تقوم عليها أركان وقواعد كل الدول المتقدمة والحديثة، فليست هنالك من دولة مدنية قوية تفتقر إلى التعليم المتطور أو الصحة المتميزة أو الأمن القوي، ولهذا فإن معالجة قضايا الأزمة المالية التي تشهدها البلاد، لا يجب أن تكون على حساب التقشف وتخفيف الموازنات المخصصة للقطاعات الثلاثة التي ذكرناها قبل قليل.
اليوم على سبيل المثال، بدأنا نسمع عن اجتماعات تتحدث عن تقليل النفقات على الخدمات الطبية من خلال تخفيض موازنة وزارة الصحة، وكذلك وضع برامج تقشفية لهذه الخدمات وللعاملين في هذا القطاع الحيوي، والذي يعتبر من أبرز الروافد في مجال كافة الخدمات، إذ كلنا يدرك أن تقليل النفقات على القطاع الصحي، سواء على مستوى رواتب العاملين في هذا المجال كالأطباء والممرضين وغيرهم، أو حتى على مستوى عدم توافر متعلقات العلاج، كالنقص في توفير الأدوية وصرف النظر عن بناء المراكز الصحية والمستشفيات الكبيرة في مناطق البحرين، يعتبر أمراً في غاية الخطورة.
إن مجرد «الحديث» عن المساس بهذا القطاع الذي يعدُّ في غاية الأهمية، يعتبر غير مقبول على الإطلاق، كذلك الحال في قضايا التعليم والأمن، فالوطن الذي يعيش فيه المواطن وهو لا يستطيع العلاج بشكل راقٍ ومتكافئ حين يمرض، أو لا يستطيع أن يتعلم كما ينبغي فيظل يشقى في جهالته، أو يفقد نعمة الأمن فيه ليعيش بقية عمره في قلق مستمر، فإنه وطن ناقص يعيش فيه مواطن غير صالح.
من هذا المنطلق، نؤكد وجوب أن تتجنب الدولة المساس بهذه القطاعات الثلاثة، مهما بلغ حجم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، لكن ما سمعنا به اليوم، هو أن أول قطاع سوف يعاقب ليمضي عليه قرار التقشف، هو القطاع الصحي بكل تفاصيله، وهذا لا يمكن أن يكون قراراً صائباً على الإطلاق، فهلا تراجعت الدولة وراجعت هذا القرار الخاص بتقشف الصحة ومتعلقاتها؟ وهل سيتبعه بعد ذلك قطاع التعليم ومن بعده الأمن؟ لا نتمنى أن يحدث كل ذلك، فإن خطر هذا الفعل أكبر بكثير من خطر الأزمة الاقتصادية كلها، ومن هنا وجب الحرص على تعليق الجرس في رقبة الحكومة لتنبيهها ومن ثم ثنيها عن اتخاذ أي قرار يضر بهذه القطاعات الثلاثة.