على مدى سبعين عاماً لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية للفلسطينيين سوى الدعم اللامحدود من المال والسلاح للكيان الصهيوني ليسفك به دماءهم. «إسرائيل» وأمريكا توأم تربطهما علاقات استراتيجية جوهرية، لا يمكن أن تتضعضع أو تتراجع لأجل سواد عيون الفلسطينيين الضعفاء بنظرهم. فهناك مصالح مشتركة بينهما أكبر من كل العرب.
زيارة جون كيري الأخيرة للأراضي المحتلة حملت في طياتها جملة من التناقضات الجوهرية. فخلال اجتماعه بنتنياهو دان الفلسطينيين ووصفهم بـ «الإرهابيين»، متناسياً بذلك المئة شهيد الذين ارتقوا برصاص الاحتلال الغادر جلهم من الأطفال دون أن يشكلوا أدنى تهديد له، لكن في المقابل خلال اجتماعه بمحمود عباس شدد على ضرورة حل الدولتين، وقال إن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية لا تطاق، كما إنه لم يقدم أي ضمانات للسلطة، لوقف مسلسل الفتك الذي يرتكبه الكيان ضد الفلسطينيين.
تناقض ممجوج وتحيز واضح للاحتلال هذا ما حمله كيري في زيارته للأراضي المحتلة. يطرح الأمنيات ولكنه أعجز من أن يقف في وجه المحتل الذي أفسد كل فرص التسوية بتعنته وهمجيته.
لنكن أكثر واقعية، ولنحاكم الأمور بعقولنا لا بعواطفنا، فالولايات المتحدة لن تقدم شيئاً للفلسطينيين لا اليوم ولا غداً، ومن يراهن على ذلك فهو أعمى أو يتعامى، ولا يستقرئ التاريخ، ولا يملك أفقاً بعيداً يرى من خلاله المستقبل. فإن من أرسى دعائم الكيان في أرض فلسطين المسروقة هي أمريكا ومن لف لفيفها من الدول الغربية، وهي من ساندت «إسرائيل» في كل وقت وحين، واستخدمت «الفيتو» الظالم عشرات المرات لحمايتها. كما أنها داومت على إدانة ردود الفعل الفلسطينية وسعت حثيثا لاجتثاتها لحماية الوجود الصهيوني. إن المراهنة على واشنطن في إيجاد حل للصراع القائم في فلسطين كمن يراهن على الحصان أن يطير.
إن الشعب الفلسطيني اليوم قد عرف بوصلته، وعزم على السير نحو التحرر، فهو الآن يخوض معركة شرسة ضد صلف الكيان، غير آبه بالظروف الإقليمية المعقدة، التي أزّمت قضيته وقزّمتها. الفلسطينيون قادرون على خوض الصعب، ورأوا أن السلام لن يتحقق إلا بسواعد تحمل الحجارة وأعلام التحرر، وأن الحلول التخديرية قد أزالوها من قواميسهم منذ زمن. فعقود طويلة قد أوصلتهم إلى قناعة لا يعتريها شك، أن صاحب الأرض إذا لم يبادر بالفعل لاستعادة حقوقه فلن ينصفه أحد.
أما على صعيد السلطة، فعليها أن ترفض أي مبادرات تضر بالحراك الفلسطيني، وعدم الترحاب بكل من يتحيز ولو بجزء بسيط للكيان. كما أن دعوتها مؤخراً لواشنطن للجم الاحتلال عن جرائمه هي مضيعة للوقت لن تجني منها شيئاً. لا بد من اتباع خيارات وسبل أخرى، ومحاولة توحيد الصف وتشكيل قيادة ثورية قادرة على قيادة المرحلة المقبلة في ظل المتغيرات الكبيرة في المنطقة.
* نقلاً عن صحيفة «الخليج» الإماراتية