لم تبلغ حكايات في التاريخ ما بلغته حكايات ألف ليلة وليلة من الشهرة والاهتمام والترجمات. وصل الكتاب إلى أوروبا وترجم وطبع عدة طبعات قبل أن يطبع في الوطن العربي بما يقارب القرنين. تلقى الغرب الحكايات بانبهار وشغف، وعدّها إحدى الجواهر العالمية الملهمة وشيئاً من التمائم الموقعة في سحر الشرق لكل من يقرؤها، وكانت جزءاً مهماً من محتويات القصور ومقتنيات الطبقة الكلاسيكية الراقية في أوروبا، لكن الشرق العربي قابل الحكايات لسنوات طويلة بازدراء واعتبرها من آداب العامة المتدنية الذوق، بل إن البعض طالب مراراً بمصادرة الكتاب من المطبعات وحرق نسخه من المكتبات!! في عام 1985 شهدت أروقة المحاكم المصرية حكاية جديدة من حكايات ألف ليلة، حيث طالب مجموعة من المحامين بمصادرة الطبعة الجديدة للحكايات التي صدرت عن «قصر الثقافة» الحكومي ومحاكمة كل من ساهم في طباعتها وبيعها في المكتبات والأكشاك، وذلك بسبب احتوائها على ألفاظ خادشة للحياء ومشاهد جنسية الأمر الذي يجعل من ألف ليلة وليلة حكايات تدعو للفسق وازدراء الأديان. وهي قضية غريبة، وليس مصدر الغرابة فيها المطالبة بمحاكمة نص ثقافي-أدبي، بل المطالبة بمحاكمة نص تراثي قديم شاع وانتشر ولا يعرف مصدره ولا سيرة مؤلفه! وبعد ستة أشهر من الطواف في المحكمة حكمت المحكمة في 30 يناير 1986 ببراءة الحكايات من التهم الموجهة إليها. وأورد القاضي في حكمه بأن من ينظر إلى الليالي بأنها عمل مخل بالآداب وتثير الغرائز فهو «مريض تافه، لا يحسب له حساب عند تقييم تلك الأعمال الطيبة». وهو رأي يستحق أن يكتب بماء الذهب وأن يتصدر الطبعات الجديدة لكتاب ألف ليلة وليلة. وقد تكون أهم المشكلات الثقافية الكامنة في حكايات ألف ليلة وليلة والمؤرقة «للتافهين والمرضى» هي شخصية شهرزاد، تلك الفتاة ابنة الوزير التي لم تنقل الحكايات أنها باغتت شهريار بجمالها كما تتطلب الحكايات التقليدية، ولكنها حررته من عقدة السادية تجاه النساء بعلمها وثقافتها وحكمتها. ولم ترسم الحكايات لشهرزاد صورة الواعظة المتدثرة بخمارها وجلبابها، ولم تجعلها المرأة العظيمة الدافعة لرجل عظيم من الخلف، بل كانت شهرزاد امرأة تغير سياسات المملكة بما تحكيه في غرفة نوم الملك المتجبر شهريار من قصص قرأتها لآداب الشعوب. وهذه الصورة غير النمطية للمرأة المراوحة بين الدفء والقوة ذات القدرة الهائلة على التأثير لابد أن تثير حفيظة كل من لا يرون في المرأة إلا الوجه الشيطاني الذي رآه شهريار، ولن يقبلوا بدور لها يتجاوز الدور الذي فرضه شهريار وهو متعة ليلة واحدة. وتكمن الإشكالية الثانية عند أعداء الحكايات في مضمونها المنحاز للضعفاء والمهمشين في مجتمعاتنا، الذين ينتصرون في أغلب الحكايات بضعفهم وصبرهم وتحالف قوى الخير معهم ضد السلطان ومن يحيطون به من الكهان وأصحاب النفوذ.
أما ما حوته الحكايات من ألفاظ نابية وقصص للعامة والسقطة، فهي من «استراتيجيات الأدب الشعبي» التي تدمج المتلقي معها عبر إغوائه بأنماط التواصل الشعبي الدارج بين الناس من نكات وسخريات، إذ إن أهم مقاصد الأدب الشعبي هو الوصول والتواصل مع عامة الناس والتأثير فيهم وليس الاكتفاء بالتواصل مع النخب الثقافية فحسب. وليست قضية ألف ليلة وليلة في أروقة محاكم مصر إلا «أمثولة» لتسلط مجموعة ممن وصفهم الحكم القضائي بالتافهين والمرضى على واقعنا الثقافي وتقلدهم دور الوصي على فكرنا وتوجهاتنا وأخلاقيتنا. لذلك صرنا أحياناً نفاجأ أن بعض الحقائق التي كنا نعتنقها ليست إلا خرافات أو في أحسن الأحوال، وجهة نظر تافهة.