ليس خياراً صعباً أن يحارب العالم كل العالم قوى الإرهاب والظلام في كل مكان، بل هو ليس خياراً أصلاً، إنه الطريق الوحيد للحفاظ على الإنسان والأوطان، فنحن اليوم وصلنا إلى مرحلة لا يمكن من خلالها محاباة أو مداهنة الإرهاب والإرهابيين، وهذه هي حقيقة «إما نكون أو لا نكون».
كل شيء بات في العالم مستهدفاً من طرف الإرهاب الظلامي، فالدول والشعوب والمساجد والكنائس والمسارح والآثار والأسواق والسينما والقطارات والسيارات والطائرات والمدارس والطرقات والبيوت والأفراد وحتى الحيوانات، كلها صارت أهدافاً حقيقية للإرهاب، ومع كل ذلك، فإننا نجد الكثير من الدول مازالت تجامل هؤلاء الإرهابيين، وبعضهم مازالوا يهادنونه خوفاً على مصالحهم، وبين تأييدهِ في بقعة من الأرض ورفضه في بقعة أخرى، ضرب الإرهاب كل الدول دون استثناء.
إن أنصع الأمثلة التي يمكن طرحها هنا، هي تفجيرات باريس الأخيرة، والتي راح ضحيتها عشرات من الأبرياء، ومع ذلك فإن كل ما اتخذه الغرب حيال هذه العملية الدنيئة والجبانة هو تحصين نفسه من الإرهاب وليس شيئاً آخر، وكأنهم يريدون أن يقولوا للعالم «إلا أوروبا»، أما بقية دول العالم الثالث فإنها ليس بذات القدر من الأهمية، وإذا كان هنالك ما يثير مخاوف الغرب في منطقتنا، فهو خوفهم من تأخر إمدادات النفط أن تصلهم في الوقت المحدد، لكن كل دماء المسلمين عندهم لا تعادل قيمتها دم إنسان غربي مع الأسف الشديد.
قبل يومين، نشرت صحيفة «الإندبندت» البريطانية تقريراً في غاية الأهمية، حيث أكد التقرير أن أكثر ضحايا الإرهاب في العالم «مسلمون»، كما يعد العراق في المرتبة الأولى بعدد الضحايا التي وصلت إلى 9929 في عام 2014 فقط. هذا الرقم المرعب في عدد الشهداء لا يخيف الحكومات الغربية، ولا يحرك فيها ساكناً، لكن حين يموت أحد أفراد الدول الغربية، فإن أساطيلهم وبوارجهم الحربية تتحرك كلها لملاحقة الإرهابيين، وربما يكون كل ذلك للدعاية أو لحفظ سفاراتهم ومصالحهم ورعاياهم، وليس من أجل ضرب الإرهاب.
لهذا السبب، نؤكد أن هنالك الكثير من الدول مازالت تداهن الإرهاب والإرهابيين، ومازالت النداءات التي تنطلق من منصاتهم الخطابية كلها نداءات باردة ومنافقة، ولعل أبرز ما يدل على هذا الأمر، هو تمدد الإرهابيين في كل العالم بشكل مخيف جداً، خصوصاً في مناطقنا العربية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عالمية الإرهاب وتمويله واحتضانه من طرف الدول الاستعمارية الكبرى.
العالم اليوم بين خيارين اثنين، إما أن يقف في وجه الإرهاب بكل وضوح فيقتلعه من جذوره، وإما أن يترك الحبل على الغارب حتى يقضي الإرهاب على كل الدول والشعوب. فالمعاملة المزدوجة من طرف الدول الكبرى في محاربة الإرهاب لم تنتج سوى المزيد من الخيبات والصراعات، أما القضاء الحقيقي على الإرهاب فإنه يقضي أولاً بتجفيف منابعه، وثانياً بقطع يد مموليه، وأخيراً لابد أن يصدر قرار أممي من جهة مجلس الأمن لمحاربة الإرهاب محاربة عسكرية تدمره عن بكرة أبيه، أما القرارات الدولية المائعة فإنها تصب في صالح تمدده وانتشاره، وليس في القضاء عليه. فالصورة باتت مكتملة، لكن ما هو غير واضح حتى هذه الساعة، هو عدم قبول كافة الدول بمحاربة الإرهاب محاربة تليق بالقضاء عليه، وهنا «مربط الفرس».