حينما يتكرر الكلام نفسه، ولا يفضي إلى نتيجة، وفي مسار متواز نرى التصريحات تتفق معه، ونرى شعارات الدولة لا تخرج عن سياق هذا الكلام، فاعرف أن هناك «خللاً» كبيراً يستوجب التدخل الفوري القوي من أعلى السلطات.
أكتب هذه السطور وأنا أتابع «انتهاء» بل «انقراض» تداعيات صدور تقرير ديوان الرقابة الإدارية والمالية الأخير.
أتساءل: هل انتهت المسألة؟! وهل بالفعل تحولت إلى حلقات في الماء حينما يلقى فيه حجر كبير، فتنشأ في البداية حلقة كبيرة تتبعها حلقات أصغر حتى تتلاشى؟!
يا جماعة، تعبنا بل مللنا ونحن نذكر ونقول «لا يجوز»!
نعم، «لا يجوز» أن تترك ملفات حساسة ومهمة هكذا بدون إجراءات معالجية صارمة، وكأنك تعالج مريضاً مثخناً بالجراح، فتترك الجروح دون تقطيب، تتركها مفتوحة هكذا بأمل أنه سيشفى بـ»البركة»، بيد أن النتيجة ستكون تفاقم الجروح وتعفنها حتى، ليصعب بعدها أي نوع من أنواع المعالجة. مللنا بل تعبنا ونحن نقول «لا يجوز» أن يترك الخلل دون حل، أن يترك من يرتكب التجاوزات «عيني عينك» دون محاسبة أو مساءلة أو حتى تعنيف وتأنيب صارم من الدولة، «لا يجوز» أن نستمر في رفع شعارات «التصحيح» بينما الواقع يقول إن التصحيح تحول لـ»أسطورة» غير واقعية، لأن المخطئ لا يعاقب، ولأن المقصر لا يحاسب.
يؤلمنا أن نقول ذلك، ونحن نحب هذا البلد ونعشقه، لكن الألم الأكبر يكمن بأننا نريد أن نرى ممارساته صحيحة، أن نرى النتائج تتفق تماماً مع شعارات الإصلاح، وحينما تسعى لشيء طيب وتدرك بأن المعنيين بتحقيقه غير مهتمين بذلك، هنا نقولها بكل قوة، بل نصرخ «لا يجوز».. وألف «لا يجوز».
«لا يجوز» أن تترك بعض القطاعات لتتحول إلى لعبة في أيدي بعض المسؤولين يمارسون فيها إبداعات التجاوزات الإدارية، فقط لأنهم لا يتعرضون للمساءلة.
«لا يجوز» أن نستمر بالقول إن لدينا «خطاً ساخناً» للتبليغ عن حالات الفساد الإداري والمالي، في حين أننا لا نرى تأثيره على وقف هذه الحالات، وهل يمكن أن يكون له تأثير لو كان المعني بالقضية وزيراً أو مسؤولاً له وضع معين؟!
«لا يجوز» أن نقول للمواطن إننا نعمله لأجله، بينما هناك من يفكر بألف طريقة للتضييق عليه وإشراكه في دفع ضريبة سياسات لم تكن حصيفة، ولدت نتائج وخيمة، مثل العجز الإكتواري والدين العام وغيرها.
للأسف، حتى التفاعل مع الناس بات منقرضاً، حتى الاستماع للصحافة بات ضعيفاً، وبعض المسؤولين يعمل بأسلوب «أنا ومن بعدي الطوفان» ولا يهمه رأي الناس، فالقناعة التي يسير وفقها مبنية على أن المواطن إنسان «متحلطم متذمر» بالتالي الحل بأن يتم تجاهله! والله عيب.
وصلنا لمرحلة أصبح فيها النقد مكروهاً، عليك أن تقول فقط «الأمور طيبة» حتى لا يعتبروك مشاكساً مشاغباً ومزعجاً لـ»سبات» بعض المسؤولين.
أخشى ما أخشاه أن نصل لمرحلة تتم فيها محاسبة من يقول «لا يجوز»، بتهمة تعكير الصفو العام، وإقلاق «سكينة» و»راحة» بعض المسؤولين!
ما يجلب المشاكل للبحرين من ممارسات وأساليب عمل خاطئة هو الذي «لا يجوز»، من يفشل في خدمة الناس من موقع مسؤوليته ويكون «وبالاً» عليهم لا «عوناً» لهم، هذا هو من استمراره «لا يجوز».
وفي بلد مؤسسات وقانون، وبلد حرية تعبير وديمقراطية، السكوت عن الأخطاء، والتكتم على الفشل هو أكبر فعل يقال له «لا يجوز».