استمرار البعض في موقفه السالب مما يجري في الساحة المحلية يضر بالوطن، فما يجري يهمه كما يهم الآخرين وهو مسؤول عنه أيضاً ومن غير المقبول أن يظل مراقباً أو متفرجاً حاله كحال جمهور أي مباراة، واستمرار البعض الآخر في موقفه المعادي للوطن يضر بالوطن وبكل المحسوبين عليه حيث معاداة الوطن لا تنتج إلا مزيداً من الآلام وتوسع الفجوة بين ذلك البعض وكل الأبعاض الأخرى ذات العلاقة بالوطن، والقول إن على الحكومة أن تحل المشكلة التي تسببوا فيها وإنها هي المسؤولة عن كل شيء قول غير واقعي وغير عملي لأن الحكومة لا يمكنها أن تحل هذه المشكلة اليوم لوحدها لا برغبة منها ولا بقرار فهي طرف من ضمن أطراف وليس بالضرورة أن ترضي الأطراف الأخرى بما تقدمه من حلول.
نحن إذن أمام ثلاث فرق لا يمكن للمشكلة أن تحل إلا بتواصلها وتفاهمها واتفاقها على أمور كثيرة، لابد أولاً من التأثير على ذلك البعض السالب ليتحول إلى إيجابي وفاعل خصوصاً وأن بينه من يمكن أن يستفاد من خبراته وتجاربه وكفاءته، ولابد ثانياً من تغيير النهج الذي لايزال يسير عليه البعض الآخر الذي يريد أن يشغل خانة «المعارضة» حيث لا يمكن لمن يعمل تحت مظلة هذا العنوان أن يعادي الوطن الذي يريد أن يبنيه، ولابد ثالثاً من أن يكون للحكومة دور في في تهيئة كل الأطراف ذات العلاقة لتكون قادرة على تفهم المرحلة والمشاركة بفاعلية في التوصل إلى نقطة التجمع أو الانطلاق نحو الحل النهائي.
تعقد المشكلة هو الذي يفرض قيام كل هذه الأطراف بكل هذا الذي عليها القيام به الآن، وتعقدها يفرض على كل ذوي العلاقة أن يؤمنوا بأنه لا يمكن لطرف أن يكسب كل شيء مثلما أنه لا يمكن لطرف أن يخسر كل شيء، وهذا ما تأكد خلال السنوات الخمس الأخيرة، فلو كان هذا ممكناً لتحقق في هذه السنوات. وتعقد المشكلة يفرض التحرر من كثير من القناعات المفضية إلى إلغاء الآخرين، فـ»المعارضة» ليست هي «الوفاق» ومن صار تحت مظلتها من الجمعيات السياسية الأخرى «كما يريد البعض أن يقول بهذا ويعتبره حقيقة»، وهي ليست الجمعيات السياسية أو الحركات المعبرة عن فئة دون أخرى، فالجميع اليوم صار طرفاً في الموضوع وصار لابد من إشراكه في أي حل يقترح للخروج من المشكلة.
اليوم تعقدت المشكلة، لكن هذا لا يعني أنها صارت عصية على الحل وتغلقت كل الأبواب، فالعرب يقولون «اشتدي يا أزمة تنفرجي»، كل ما هناك هو أن على الجميع أن يؤمن بأنه إنما يعمل من أجل الوطن وأن أي تنازل يقدمه ليس تنازلاً للأطراف الأخرى ولكنه من أجل الوطن، والتنازل للوطن مكسب وموقف يستدعي الفخر.
اليوم تبدو الصورة واضحة أكثر، ويبدو واضحاً أن الجميع صار يعرف أن الاستمرار في هذه الحال يضر بالوطن وبمستقبله وأنه لابد من التوصل إلى مخرج يشعر كل الأطراف ذات العلاقة بأنها حققت بعض المكاسب ولم تخسر كل شيء. هناك إذن أساس مهم يمكن أن يبنى عليه، يضاف إليه طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة والتي يفترض أن تكون الساحة الداخلية متماسكة وقوية لتتمكن من مواجهة أية مخاطر متوقعة أو غير متوقعة.
الدعوة إلى الاستفادة من أجواء الاحتفال بالعيد الوطني المجيد لرأب الصدع مهمة وليست متأخرة، فالبحرين تحتفل بعيدها الوطني طوال شهر ديسمبر، وحري بكل الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة أن تستفيد من هذه الأجواء وأن تفعل كل ما يمكن أن يقرب المسافات ويزيد من المساحة المشتركة.