لا تمنع حكومة البحرين مواطنيها والمقيمين من السفر إلى أي بلد لممارسة الشعائر الدينية وما يحقق الاتزان النفسي لهم أو السفر لأي غرض آخر، فهذا حق يكفله الدستور وينظمه القانون، والبحرين منذ القدم معروفة بأنها لا تدخل في مساحة العلاقة بين العبد والخالق ولا تطالب المواطن إلا بالوفاء لوطنه وخدمته حسب قدراته وما حباه الله به من مواهب.
الخبر الذي نشرته «الوطن» قبل يومين عن توجه نحو 65 ألف شخص من البحرين لأداء الزيارة الأربعينية في كربلاء لا يقلق الحكومة إلا في جانب واحد هو احتمالية انتقال الأوبئة وخصوصاً وباء الكوليرا الذي تعاني منه العراق حالياً، لهذا حرصت وزارة الصحة منذ حين على تنفيذ العديد من الأنشطة التوعوية وأصدرت البيانات التي تحث هؤلاء على الانتباه لهذا الأمر. لكن هل يمكن بهذه الأنشطة والبيانات منع انتقال تلك الأمراض المعدية من العراق إلى البحرين خصوصاً وأن احتمالية الإصابة بها في مثل هذه المناسبة كبيرة بل كبيرة جداً؟ الجواب بالتأكيد هو أن هذا غير ممكن، وبالتالي فإن احتمالية انتقالها تظل واردة وهذا يتطلب اعتماد إجراء يضمن عدم انتقالها إلى الداخل.
من المهم في هذه الحالة عدم الانتظار حتى اكتشاف حالات من هذا القبيل ومعالجتها في المستشفيات، فالمنطق يفرض إجراء فحوصات على كل من يعود من العراق قبل دخوله البلاد واحتجاز من يشك في احتمالية إصابته بالعدوى. هذا الإجراء ربما كان صعباً من الناحية العملية ومزعجاً لمن يعود من العراق لكنه الأضمن لعدم انتقال تلك الأوبئة إلى البحرين ومن ثم تكلفها الكثير، والأفضل لمن سيتم فحصهم أيضاً كي يطمئنوا على أنفسهم وأسرهم.
الأعداد الكبيرة المتوقع مشاركتها في هذه المناسبة في العراق -بينها على الأقل ثلاثة ملايين خليجي وإيراني- تتيح الفرصة للأمراض كي تنتقل فيما بينهم بسهولة، وبالتالي فإن احتمالية إصابة العائدين إلى البلاد بها ستكون كبيرة بالفعل وتفرض على وزارة الصحة مسؤولية حماية الآخرين من انتقالها إليهم. الأمر لا يحتاج إلا إلى قرار وحزم في التنفيذ حيث إفلات واحد من هؤلاء من الفحوصات قد يتسبب في انتشار مرض لا تحتمله البحرين لو أنه كان حاملاً له.
هذا دور وزارة الصحة ومسؤوليتها يؤمل أن تقوم بها بكل ما أوتيت من قوة وخبرة، لكن على وزارة الداخلية أيضاً دور كبير كي لا تنتقل «الأوبئة الأخرى» إلى الداخل، فسفر هذا العدد الكبير إلى العراق الذي «تتوفر فيه إيران بكثرة» قد يوظف للإساءة إلى البحرين، خصوصاً بعد تصريحات مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وشحنه لـ»الباسيج» قبل أيام وانتقاده العنيف للحكم، وكذلك تصريحات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي وصف البعض الذي يقوم بأعمال الفوضى والتخريب هنا بـ»قلب الربيع العربي النابض» وقال إنه يدعو لهم في كل صلاة وألمح إلى الاستمرار في دعمه لهم .
نحن إذن أمام خطرين متوقع أن ينقلهما من سيسافر إلى العراق لهذه المناسبة، الأمراض المعدية وخصوصاً الكوليرا، والأوبئة السياسية التي تحرص إيران وجهات عديدة في العراق على نقلها إلى البحرين، فوجود البعض ممن له علاقة بما يجري في البحرين من أعمال الفوضى والتخريب هناك يعني أن ترتيبات وخططاً لابد أن تتم مناقشتها مع المعنيين في إيران والعراق، ويعني أن تلك الخطط سيتم تنفيذها هنا ولن تتمكن أجهزة وزارة الصحة من منع حامليها من الدخول، فهذه الأوبئة لا تستطيع وزارة الصحة اكتشافها فهي من اختصاص وزارة الداخلية التي عليها بالفعل أن تزيد من مجهودها كي لا نفاجأ بأمور أشد فتكاً من الكوليرا، فالمرحلة صعبة وتستوجب الحذر الشديد.