تحظى المرأة البحرينية منذ انطلاق المبادرة الكريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، حفظها الله ورعاها، باعتماد اليوم الأول من ديسمبر من كل عام للاحتفال بيوم المرأة البحرينية اعتباراً من 1 ديسمبر 2008، تقديراً وتكليلاً لجهود المرأة البحرينية ونضالها في المشاركة والمساهمة في دعم وتطوير المجتمع البحريني سواء في داخل منزلها بإعداد أجيال فعالة ومنتجة بالمجتمع البحريني أو من خلال عملها في جميع القطاعات العامة والخاصة، وبذلك تتميز المرأة البحرينية تميزاً إيجابياً بتخصيص يوم من كل عام حيث تحتفل جميع مؤسسات المملكة بهذا اليوم.
ولي الشرف في هذا اليوم المجيد لكل امرأة بحرينية أن أشارككم بماهية فكرة التمييز الإيجابي ومعاييره ونطاق تطبيقه من ناحية قانونية دستورية، فقد كثر في الآونة الأخيرة اللغط في هذا المصطلح وإن تعددت مصطلحاته، منهم من يطلق عليه التدابير الإيجابية، التصرفات الإيجابية أو عدم المساواة الصحيحة أو التدابير المعاوضة.
وفي هذا المقال سوف أتناول في المقام الأول ضبط المصطلح ومحاولة تعريف التمييز الإيجابي في ضوء القضاء الدستوري ونطاق تطبيقه، ولابد من التوضيح أن عبارة التمييز الإيجابي تحمل الغموض والتناقض.. كيف ذلك؟ فقد تحمل مظهراً إيجابياً وآخر سلبياً، المفهوم الإيجابي مجرد العملية التي تقوم بالتمييز أي التفرقة بين الأشياء والأشخاص، أما المفهوم السلبي فلا يوجد ما يسمح بالتفرقة بين التمييز الإيجابي وغيره.
لقد ظهرت عدة محاولات لتعريف التمييز الإيجابي في القضاء الدستوري، فنجد أن مفهوم الأمريكي يختلف عن مفهوم الفرنسي، حيث يعبر الأول عن المفهوم التقليدي للتصرفات الإيجابية بشأن الأقليات وذلك يتمثل في زيادة مكانة وعدد السود والأقليات الأخرى في المهن المختلفة بمنحهم الأفضلية، أما الفكرة الفرنسية للتمييز الإيجابي، فإنها تبتعد تماماً عن الوضع الأمريكي، حيث إنها لا تقف على مجمع الأقليات أياً كان سببها: العرق، والأصل أو الدين، وإنما يقصد بها طائفة خاصة من التمييز بهدف القضاء على عدم المساواة.
نذكر على سبيل المثال عندما قضى المجلس الدستوري الفرنسي بأن المصلحة العامة تقتضي أن تستفيد المرأة من خصم في المعاش لتربية الطفل، بغرض تعويض عدم المساواة الفعلية، فذلك لا يشكل مساساً بمبدأ المساواة إنما بسبب المصلحة العامة التي ترتبط بهذا الاعتبار لوضع المرأة، في حين قضت المحكمة الدستورية الإيطالية أن للمشرع الإيطالي الحرية أن يحقق تمييزاً إيجابياً، بغرض الوصول إلى مساواة فعلية لاسيما في المجال الاقتصادي والاجتماعي من أجل الوصول إلى مساواة حقيقية بين الجنسين.
أما المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية فقضت بدستورية التمييز الإيجابي ما لم يتسم بالتعسف، وجاء موقف المحكمة الدستورية العليا المصرية مؤيداً للتمييز الإيجابي حيث أجاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير لتنظيم موضوع معين وفقاً للأغراض المشروعة.
موقف المحكمة الدستورية البحرينية من التمييز الإيجابي أنها سايرت ما سلكه القضاء الدستوري المقارن في تبنيه لمبدأ التمييز الإيجابي. وبعدما أن وضحنا موقف القضاء الدستوري في الفقه المقارن من التمييز الإيجابي، يبقى السؤال ما هي مجالات تطبيق التمييز الإيجابي؟ في الواقع هناك مجالان أساسيان ولكن أكتفي بذكر واحد من أهم مجالات تطبيق التمييز الإيجابي هو الدخول في الوظيفة العامة، على الرغم من دستورية التمييز الإيجابي في مجال الدخول في الوظيفة العامة، إلا أن المجلس الأعلى للمرأة لم يقم بفرض دخول المرأة في الوظائف العامة بل راح يطالب بمبدأ المساواة أي بمنطق المساواة في الفرص من خلال لجان تكافؤ الفرص، وفي رأيي الشخصي فإن هذه اللجان حتى لا نظلم الجميع منها من قام بدوره بشكل فعال وحقق النتائج المرجوة ومنها من يحبو نحو نتائج ومنها من يحتضر، فأنصح المجلس الأعلى للمرأة باللجوء إلى التمييز الإيجابي في خلق فرص في الوظائف العامة من خلال حث السلطة التشريعية باقتراح قوانين أو من خلال تقديم الاقتراحات بتعديل التشريعات الحالية المتعلقة بالمرأة إلى الجهات المختصة وفقاً لاختصاصات المجلس الأعلى للمرأة كما نصت في الأمر الملكي 36 لسنة 2004 اختصاراً نحو الهدف المرجو، وأعزز هذا الاقتراح بحكم صادر من المجلس الدستوري الفرنسي الذي يعتبر مهد القانون الدستوري وأخص في قراره الصادر عام 1983 بشأن القانون الخاص للنظام العام للموظفين للدخول في المدرسة الوطنية الإدارية، قضى المجلس بأنه لا يتعارض مع ذلك وجود قواعد تعيين تتجه إلى إمكانية تقدير كفاءات المرشحين بصورة مختلفة مراعاة لتنوع الكفاءات واحتياجات المرفق العام.
وبذلك يستفاد من القرار الصادر من المجلس الدستوري الفرنسي بأنه يسمح للمشرع بغرض تحديد فئة المواطنين والتي تستفيد من الدخول في المدرسة الوطنية، بعبارة أخرى، لقد أقر المجلس الدستوري الفرنسي رقابة دقيقة، لكي يفتح المجال للمشرع في أن يتبنى تمييزاً إيجابياً.
وهذا ما سلكه أيضاً قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الدستورية العليا المصرية التي قضت أن المساواة كضمان دستوري ليست مساواة حسابية، بل يمتلك المشرع بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها، أي أنه يعتد بفكرة أكثر مرونة لضرورات مبدأ المساواة في الحقوق، طالما لم يوجد مساس بالمواطنة.
وهذا ما رددته المحكمة الدستورية البحرينية بذات المنطق، على الرغم من حداثة وندرة أحكامها، حيث صاغت مبدأ أن «الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها وكان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، كان واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع».
بذلك فإن مساعي الحكومة في مملكة البحرين في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إلغاء كافة مظاهر التمييز ضد المرأة مساعٍ مشكورة تحتاج إلى تضافر وجهود من أجل تحقيق مساواة واقعية بمعايير موضوعية ومعقولة.

* مستشارة قانونية وباحثة دكتوراه في القانون الدستوري