تستطيع الحكومة أن تدافع عن نفسها عن طريق منع المخالفين من التعبير عن آرائهم
أو تستطيع أن تنفي وجود التقصير في أدائها وتكتفي بعرض منجزاتها فحسب دون الاستماع لرأي مخالف، وتستطيع أن تستشهد بتقارير دولية تضعها في مرتبة متقدمة عربياً ودولياً في الممارسة التجارية، ولكن ذلك يفيدنا بشيء وسيبقي العوائق والعقبات محلها وسيفاقمها ولن نستطيع أن نتقدم خطوة.
ستبقى معاناة رواد الأعمال والمستثمرين موجودة ومنفرة وطاردة لرؤوس الأموال وستضيع جهود التسويق هباء منثوراً، وهي جهود كبيرة وجيدة وتعمل على توسيع نطاق دائرتها إقليمياً وعربياً ودولياً، إنما ما الفائدة من هذه المغريات وعرض عناصر الجذب والممارسة الفعلية مع رؤوس الأموال على أرض الواقع وداخل أروقة الوزارات تبقى عناصر طاردة لها بعد حين.. ثم هي سمعة.. إن راجت بأنها سيئة سيكون الضرر كبيراً وستفشل كل سياسات التسويق المستقبلية.
الممارسة الواقعية تؤكد أن العديد من «المعاملات» تستغرق أضعاف مدتها المفترضة وأحياناً تعلق دون جواب.. هذا هو الواقع.
بالأمس جمعية العقاريين تؤكد أن إجراءات التخطيط والتصنيف تستغرق سنة وأعرف حالات استغرقت سنوات وإلى الآن أوراقها في اللجنة، أي مشروع هذا ينتظر سنة أو أكثر كي يعرف مصير العقار ومصير المنطقة التي سيعمل فيها؟ أي مستثمر يثق بـ«سيستم» بطيء لهذه الدرجة، ولجانه لا تجتمع إلا مرة كل عدة شهور؟!!
ماذا يفعل مستثمر آخر استخرج «رقماً» لمعاملة من أجل فصل عداد الكهرباء داخل منشأته إلى عدادين، هذا الرقم يعطى لصاحب المعاملة من أجل متابعة الإجراءات على الإنترنت واستغرقت عملية استخراج هذا الرقم أربعة أشهر، ومرت شهور أخرى ولم تنجز المعاملة، وأخيراً ذهب صاحب المنشأة للمراجعة بنفسه، فقالوا له الرقم غير موجود في «السيستم»!! «شلوووون؟» رغم أن موظف الهيئة هو من علق رقم المعاملة على جدار المنشأة، والحل؟ سألهم المستثمر، أجابه الموظف «قدم الطلب من أول وجديد»!! هكذا بسهولة تمت الإجابة وأشاح الموظف بوجهه عن السائل منادياً الذي بعده.
حالة أخرى.. وضعتم النظام الإلكتروني، وأعطيتم المستثمر رقماً لدخول «السيستم»، وسأل المستثمر الموظف ماذا أفعل إذا استعصى علي أمر ما وأردت أن أسأل؟ أجاب الموظف هناك مركز اتصالات للإجابة على الاستفسار، لكن انسَ أن تتصل فلن يجيبك أحد وإن أجابوك لن يعرفوا كيف سيحلون مشكلتك، والحل؟ سأل المستثمر، أجاب الموظف «هذا رقم مخلص.. خلص أمورك معاه»!!!!
وجود موظفين بهذا الشكل في مواقع الخدمة ينسف جهوداً تسويقية كلفت الدولة الملايين، عدم وجود مراقبين ومسؤولين عنهم يقفون وراء ظهورهم لإرشادهم ينهي سمعة تسويقية جهدت عقول وشركات وبيوت استشارة للترويج لها، هذا هو الواقع اليومي، هذه هي الصورة للمراجعين، هكذا تسير المعاملات بين وزارة ووزارة.
باختصار لدينا «سيستم» تعبان تصطدم أمامه كل الطموحات ويحتاج إلى واقعية شديدة في معالجته، لا يمكن لأي بيت من بيوت الاستشارة الأجنبية أن يحله، ولا يمكن لأي وزير حتى لو كان «سوبرمان» أن يحله على الورق ومن خلال الاجتماعات في مكاتبه ومن ثم تقييمه من خلال تقارير تعد له ورقياً.... (الخراب) مستشرٍ يحتاج إلى النزول له، وفتح قنوات الشكوى معه مباشرة وجعل «أصحاب المعاملات» هم بيوت الاستشارة التي يستمع لها الوزير، هم المراقبون ومنهم يستخرج أساس المشكلة والحلول.
«السيستم» التنسيقي خراب بين الوزارات، بل أحياناً معدوم بينهم، لذلك تبادلوا الاتهامات أمام رئيس الوزراء في مركز المستثمرين، وزارة تنجز المعاملة في أيام ووزارة أخرى تعلقها شهوراً «لا طبنا ولا غدا الشر».
نحن نقف على «خريس» قديم معطل وقاتل وصادم ومعيق موجود في المكاتب الأمامية وفي اللجان النائمة وفي مراكز الاتصال وفي المباني الحكومية القديمة النائية، «سيستم» لا تصلح لحله آذان مغلقة ودوائر مغلقة وحلول ورقية واستشارات أجنبية، من لم يكن على استعداد لأن يشمر ذراعه ويرفع ثوبه وينزل يومياً يخوض بالمعنى الحرفي للتعامل مع هؤلاء الموظفين والالتقاء بالمراجعين شخصياً وهاتفياً وإلكترونياً، سيظل «السيستم» على ما هو عليه، وسنظل بعيدين جداً عن كل أحلامنا.
تقول لي هذا ليس عمل الوزير؟ أقول لك نعم.. ليس عمله في الأحوال العادية، ليس عمله في وجود «سيستم» يسير الأمور، ولكن في ظل وجود «سيستم» خراب على الوزير أن يقوم هو مقام «السيستم» إلى أن يبنيه من جديد.
ملاحظة:
«خريس» يعني وحل مبلل بكثافة لا يمكن الوقوف عليه ومليء بالأوساخ.