الوعي بدأ يزيد بشكل ملحوظ لدى المواطن، ونقول «ملحوظ» لأنه بإمكاننا قياسه من خلال عدة مؤشرات، أبرزها «أسلوب الخطاب» الذي ينتهجه أغلب المواطنين، بالأخص أصحاب المنطق في الكلام، يضاف إليه تغير نمطية «الاختيارات» في بعض الأمور التي تمسهم.
المواطن البحريني في 2015 مختلف تماماً عن المواطن البحريني في 2001، أي مع بدايات المشروع الإصلاحي، بالإضافة إلى أن المواطن نفسه اليوم مختلف تماماً عما كان عليه قبل 14 فبراير 2011.
هذه كلها متغيرات لابد وأن يتم حسابها بالنسبة لعديد من الشرائح المسؤولة، أبرزهم الوزراء ومسؤولي الدولة وأيضاً النواب دون نسيان الشوريين.
بمعنى أن التصريحات التي كان يطالع بها المسؤولون المواطن قبل سنوات، يصعب جداً إعادة مطالعتهم بها اليوم، وطريقة التعامل مع الناس قبل أعوام لا يمكن اتباعها نفسها اليوم، أضيفوا إليها بأن أسلوب التعامل اليوم مع الناس فيه محاذير وحدود حمراء يعرفها المسؤولون وقد يكونون متهاونين فيها أو لا يلقون لها اعتباراً في السابق.
لا يعني هذا أن المواطن تغير كلياً عن السابق، بل العالم تعرض لمتغيرات عدة، وتطورات لا تتوقف، ومع تغير الكثير من الأمور وتطورها، لابد وأن يتأثر البشر، وهذه نقطة يغفل عنها بعض المسؤولين وحتى بعض النواب ومن في مقام المسؤولية، بحيث لايزالون يستخدمون نفس الأدوات «غير المحدثة» والطرق «القديمة» للتعامل مع الناس.
اليوم لا يمكن أن تمرر شيئاً على المواطن دون أن يوجه لك بدل السؤال عشرة، وهذا من حقه. لا يمكنك أن تفرض عليه سياسة ما دون أخذ رأيه، وإن فعلت فإنه من الصعوبة احتواء التداعيات أو التحكم في ردات الفعل.
الإنسان المتغير مع متغيرات الكون يعيش اليوم مراحل متقدمة من معرفة حقوقه وواجباته، بالتالي إن أراد السياسيون أو اللاعبون الرسميون تمرير أمور معينة فإن العقبة أمامهم تتمثل في المواطن الواعي المتقدم في فكره، الذكي في كلامه، القوي في ملاحظاته.
وعليه دائماً ما نقول لأي مسؤول، بأنه حين تتم مخاطبة الناس لا يجب الاستخفاف بالعقول، ولا يجب الخروج عليهم بطريقة وأسلوب تحسسهم بأن المتحدث من مسؤولين أو نواب أو شوريين وغيرهم بأنهم «يفهمون أكثر منهم»، هذا خطأ قاتل يقع فيه البعض، وعليه تجد هجوم الناس عليه شرساً ولا هوادة.
والله في الماضي تجد بدون مبالغة من المسؤولين من يقول «خذوا المواطن على قد عقله»، في جملة كارثية بالفعل، سببها النظرة الاستصغارية للبشر، وهذه وجدت بالفعل إلا عند من رحم ربي، لكن اليوم من قد يستخدمها ويعلي بها صوته قد يحكم على نفسه بالانتهاء من منصبه ومسؤوليته، هذه الجملة لابد لها من الانقراض حتى داخل سرائر النفوس. والله المواطن أثبت أن عقله كبير بل بعض الناس عقولهم وزنها أثقل من عقول بعض المسؤولين.
اليوم حتى «الهالة» التي تحيط بالوزراء تكاد تختفي، المواطن أدرك أن الوزير حاله من حاله، أي موظف يخدم الدولة، مع اختلاف فرق الراتب والامتيازات طبعاً، وأن نقده مباح بل مطلوب إن تجاوز أو أخطأ.
بالتالي حتى الوزير لا يمكنه أن يطالع الناس بصورة فيها استعلاء، ولا أن يخاطبهم بنبرة استعلاء.
فهم طبيعة البشر فن بحد ذاته، والتعامل معهم ومع أنماط سلوكياتهم المختلفة «حرفنة» لا تتأتي للجميع، لكن المهم هنا التأكيد على أن المواطن اليوم لا يريد من «يخدره» بالكلام، ومن يعرف كيف يتعامل معه ويمتص غضبه، بل يريد من يتعامل معه أولاً باحترام، وثانياً بتقدير لرأيه وفكره، وثالثاً بتفهم مع مطالباته، والأهم من يعمل لأجله ويترجم الأقوال إلى أفعال.
اليوم الغالبية واعون ومدركون، زمن يصعب فيه استغفال البشر، ويستحيل فيه غسل أدمغتهم، بل يمكن فيه كسب محبتهم وتأييدهم ومؤازرتهم حينما يتم احترامهم فيه وحين ينصت ويستمع لهم ويؤخذ بما يقولون.