من المعروف في علم النفس ظاهرة الشائعات التي تنتشر في أوقات معينة، ليس مجال التحدث عنها الآن، ولكن ما يلاحظ الآن، كثرة الشائعات التي تنتشر حول مصر والسعودية ودول مجلس التعاون، وهي شائعات تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتلقفها صحافيون من نفس فصائل مروجي الشائعات، بهدف نشر الاعتقاد بأنها حقائق. وتتعرض العلاقات المصرية السعودية خاصة ومع دول الخليج بوجه عام لحجم هائل من تلك الشائعات، بعضها يثير الضحك، وبعضها يثير الحزن والرثاء، لأن مروجيها معروفون من حيث أهدافهم، ولكن ليسوا معروفين بأنهم على درجة بالغة من السذاجة وعدم الوعي، ولا أقول الغباء، فمثلاً يزعمون أن «السعودية تخلت عن السيسي وأنها تبحث عن عسكري بديل له، وقام هذا العسكري المزعوم بزيارة للسعودية مؤخراً لهذا الغرض». هل مثل هذا الكلام يصدق؟ وهل مصر جمهورية الموز؟ والسعودية ليس من سياستها التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهي أكبر من مثل هذه التصرفات التي يروجها أصحاب تلك الشائعات، وتوجهاتهم معروفة، ولكنني أقول لهم موتوا بغيظكم، فلا مصر مهتزة ولا السيسي فقد شعبيته، ولا السعودية تتدخل في شؤون مصر. وهذه من أحلام اليقظة ومن الحالة الجنونية والانهيار النفسي الذي تعانون منه لأسباب معروفة حيث يقال في مصر إن «البعض يفقد نصف عقله إذا تولى منصباً فإذا أقيل منه فقد النصف الآخر»، وأنا أعتقد أن مروجي هذه الشائعات ينطبق عليهم هذا القول.وهذا لا يعني أنه ليس بين مصر والسعودية بل بين أية دولة وأخرى مهما كانت وثيقة بعض الخلافات في وجهات النظر، فبريطانيا تكرر الحديث عن تفكيرها الخروج من الاتحاد الأوربي وتنتقده، ولكن عندما تعرضت فرنسا للإرهاب بادرت بمساندتها وكذلك أمريكا وهكذا. وكان الأجدر بمروجي الشائعات أن يقرؤوا ليس كتاباً في العلوم السياسية وعلاقات الدول بل حتى كتاباً في رياض الأطفال ليفهموا العلاقات الإنسانية في أبسط صورها، فالأب يختلف مع ابنه والعكس، ولكنهما لن يتحاربا. والدول الصديقة والشقيقة كذلك فهناك قواسم مشتركة أكثر أهمية من الخلافات الهامشية أو الخلافات في بعض الأولويات، ومصر منظورها الأمن القومي العربي الشامل وأمن الخليج جزء لا يتجزأ من هذا المنظور. والسعودية ودول الخليج هي القوة الصاعدة المتماسكة في الوطن العربي ولها رؤية إستراتيجية عميقة ولها أولويات ومن بينها دعم مصر والتنسيق معها، ليس من هذا الحاكم أو ذاك ولكنها وصية الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود رحمه الله لأولاده. فالملك فيصل وقف إلى جوار مصر ودعمها بعد هزيمة 1967 في قمة الخرطوم، ولم يتردد، وكذلك في حرب 1973، ومصر وقفت إلى جانب الكويت عقب استقلالها ضد تهديدات عبدالكريم قاسم، وأرسلت قوات إليها لمساندتها، ووقفت مصر مع الكويت بعد غزو صدام حسين من أجل تحريرها واستقلالها كما أنها تقف مع الإمارات ومع البحرين في قضاياهما وضد الطموحات المعادية من إيران. هذه الدول الثلاث تبادلت مع مصر المساندة والحب من نفس المنظور القومي. هذه مصالح قومية تسمو على الدعايات المغرضة ولن يستمع أحد لدعايتكم أيها المغرضون.إنني أشيد بمقال لمفكر كويتي منشور بالأهرام في 29 نوفمبر الماضي هو الدكتور محمد الرميحي صاحب الشعار الذي أصدر به كتاباً بعنوان «الخليج ليس نفطاً فقط». إن علاقات مصر بالسعودية ودول الخليج ليست لمصلحة شخصية بل هي لمصلحة وطنية لكل دولة ومصلحة قومية لجميع الدول وليس غريباً أو جديداً القول إن مصر والسعودية هما ركيزتا الأمن القومي العربي وإن علاقاتهما وثيقة مهما روج المغرضون من بعض الصحافيين أو الإعلاميين أو السياسيين أو من مروجي الشائعات.إن الخطر الذي يهدد دول مجلس التعاون والأمن الخليجي يهدد مصر في نفس الوقت، والخطر الذي يهدد مصر من الإرهاب في دول الجوار مثل ليبيا أو السودان يهدد دول الخليج أيضاً، والقيادات في مصر ودول الخليج قيادات واعية ولا تنظر للأقاويل والشائعات. إن جنون السلطة يعمي البعض عن الحقائق ولذلك يدمرون بلادهم وها هو الوضع في سوريا خير شاهد على ذلك، وها هي الدول التي تحولت إلى الطائفية وعادت إلى عصر التدهور في الدولة العباسية أو الأندلس وما عانته من الطوائف الذين دمروا بلادهم وأذلوا شعوبهم بعد أن كانت دولهم ملء السمع والبصر أصبحت مهمشة وتعيش الدمار وذلك لأن قياداتها افتقدت البوصلة الحقيقية، لكن ذلك لا يحدث في مصر ولا في السعودية أو في أي من دول الخليج أو الأردن فهذه الدول لديها نخب سياسية تدرك الحقائق وهم أكثر تعليماً وأكثر حباً لأوطانهم وحباً لعروبتهم ولن يتخلوا عنها، وقد قالت العرب «إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، وإذا كانت هناك اختلافات في بعض الرؤى وكيفية التعامل مع بعض المشكلات وأولوياتها فهذا لا يعني ما يروجه المغرضون ويتمنونه.للأسف حتى بعض المثقفين والأساتذة الكبار يعيشون في أوهام وصراعات مع الذات ويبحثون عن خلق المشكلات وإثارة الخلافات والأحقاد القديمة والمشاعر السلبية بين الناس والأمم والشعوب والقيادات.* باحث في الدراسات الاستراتيجية الدولية
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90