تحتفل مملكة البحرين في غرة ديسمبر من كل عام بيوم المرأة البحرينية باعتباره مناسبة وطنية تحظى باهتمام كبير من المؤسسات الرسمية والشعبية، احتفالاً بإنجازاتها وتقديراً لمشاركتها وعطائها في مختلف القطاعات، بل وتأكيداً على أن حقوقها ومكتسباتها التي نص عليها الدستور مصانة وأن القائمين على شؤون المجلس الأعلى للمرأة يسهرون على تفعيلها وإقرارها للمرأة البحرينية.
إن الدارس لتاريخ المرأة البحرينية يجد أنها قدمت الكثير عبر تاريخها الحديث والمعاصر، فقد حرمت حتى العقود الأولى من القرن العشرين من مشاركة الرجل في الحياة العامة، وكانت العادات والتقاليد آنذاك تفرض عليها ملازمة المنزل، وعدم الخروج منه، إلا في حالات معينة لجلب الماء من الينابيع، والذهاب إلى ساحات النخيل لمساعدة زوجها في جني الثمار، وجمع سعف النخيل، ونقله إلى المنزل لاستخدامه كوقود.
عاشت المرأة البحرينية مثلها مثل كل النساء في عالمنا العربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى أواخر الثلاثينيات حياة قاسية، وكانت تفرض عليها القيود كي لا ترى من قبل الرجال وفقاً للعادات والتقاليد المتبعة حينذاك. وكان موسم الغوص الذي يستمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر يمثل أصعب الفترات في حياتها، حيث تتكفل بتربية الأبناء والمحافظة عليهم أثناء غياب الزوج.
ولذا بات الاحتفال بيوم المرأة البحرينية من المناسبات الوطنية التي بدأت تحظى باهتمام واسع من قبل كافة المؤسسات لإبرازالمحطات الهامة في مسيرة عطاء المرأة ومشاركتها في دعم التنمية الشاملة والمستدامة في البحرين. وتأكيداً على ذلك كانت البحرين سباقة في إنشاء أول جمعية نسائية في العام 1950، وهي جمعية نهضة فتاة البحرين، وهو ما أضاف ميزة مشرفة للبحرين بين شقيقاتها دول الخليج، والتي بدأت بعدها مرحلة تطور المجتمع البحريني في مجالي التعليم والتنمية وفي مجال الاقتصاد السياسي.
وفي الفترة المعاصرة، فإن الراصد لبروز المرأة في العمل العام في منطقة الخليج، يجد أنها قد انخرطت في إطار التجربتين الديمقراطيتين الأكثر بروزاً في الخليج، الأولى وهي التجربة الكويتية، والثانية هي التجربة البحرينية، وبالنسبة للأولى فقد بدأت منذ الستينيات من القرن الماضي، وبدأت المرأة رحلتها معها منذ العام 1971، وظلت تناضل إلى أن نالت حقوقها فيما عرف بمعركة الحسم في العام 2005 عندما أقر مجلس الأمة الكويتي منح المرأة كامل حقوقها السياسية في الترشح والانتخاب وبأغلبية 35 عضواً مؤيدين، مقابل 23 عضواً قد عارضوا ذلك، ومن هنا اًصبح الباب مفتوحاً أمامها لممارسة حقوقها السياسية.
أما التجربة البحرينية التي انقطعت في السبعينيات ثم عادت مرة أخرى وبشكل كامل في عام 2000 عبر مشروع إصلاحي قاده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، كان من أبرز ثمراته وجود دستور جديد للبلاد في 2002. والذي نص صراحة على حقوق المرأة سواء في المجال السياسي ففي المادة «1/هـ» نص على أنه «للمواطنين رجالاً ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشح ...».
كما نص الدستور كذلك في المادة «5/ب»، «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية».
والمحلل لتلك النصوص يدرك الإيمان الكبير للدولة بالمرأة ودورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في بناء مسيرة الإصلاح والدول العصرية وهو ما شجع الآلاف من النساء على الانخراط في العمل العام في كافة مجالات الحياة بل ودفع كافة المؤسسات الرسمية والخاصة إلى أن تعطي مكانة متقدمة للمرأة في المناصب والسلم الإداري بها والإعلان الصريح عن دعمها في كافة القطاعات مما ساعد على تمكينها في المناصب القيادة مساواة بالرجال وهو ما جعل للبحرين مكاناً بين الدول التي أتاحت للمرأة فرصها العديدة إلى أن وصلت البحرين للمقياس والمعدل العالمي في قضايا تمكين المرأة.
ولذا بالمقارنة بين التجربتين الرائدتين خليجياً في إقرار حقوق المرأة نتبين أن التجربة البحرينية قد اهتمت بالتمكين الكامل لكل حقوقها بالإضافة إلى السبق بمعدل خمس سنوات أتاحت للمرأة خلالها المبادرة في الوقت الراهن بالترشح في الانتخابات النيابية بشكل سابق عن التجارب الأخرى.
وبعد إقرار حقوق المرأة في الدستور تعزز دورها في المجتمع بشكل جلي من خلال بادرة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى المتمثلة في تأسيس مجلس أعلى للمرأة في أغسطس 2001. وزادت أهمية هذا المجلس وبروز دوره بشكل فاعل بإناطة مسؤولية رئاسته لصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى، التي عرف عنها اهتمامها بالمرأة البحرينية ورعايتها وتشجيعها لتأخذ دورها في أوساط المجتمع. بعدها تم اعتماد الأول من ديسمبر من كل عام يوماً للمرأة البحرينية بناء على مبادرة من لدن سموها وبالتوافق مع الاتحاد النسائي البحريني والجمعيات واللجان النسائية.
وقد لعب المجلس الأعلى للمرأة دوراً بارزاً وأهمها نشاطه المميز المتمثل في تأهيل المرأة البحرينية الراغبة في الترشح للمجالس البلدية والمجلس النيابي، وتوعية الناخبة البحرينية بممارسة حقوقها التي كفلها الميثاق والدستور ولم يكتفِ المجلس بهذا النشاط الداعم للمرأة من الناحية الواقعية الملموسة في نصوص الدستور والميثاق وما ترجم في الواقع العملي، إنما اهتم برفع معنويات المرأة وإحساسها بأهميتها ووجودها حين خصص كل عام من الأعوام للاحتفاء بفئة معينة من فئات المرأة تأكيداً على دعمها واعترافاً بدورها في خدمة المجتمع.
ولذا فقد كان أول احتفال في 2008 بيوم المرأة البحرينية، تحت شعار «80 عاماً من التعليم النظامي والإنجاز»، حيث تم اختيار التعليم شعار ذلك العام، وذلك بمناسبة ذكرى مرور 80 عاماً على دخول التعليم النظامي للمرأة في البحرين، ثم في 2009 فقد تم اختيار موضوع الصحة شعاراً لهذا اليوم، تحت عنوان «المرأة والأمن الصحي.. قابلة.. ممرضة.. وطبيبة»، وتم خلاله تكريم العاملات في المجال الصحي، أما في 2010 فقد تم اختيار موضوع العمل التطوعي للمرأة في البحرين لهذا اليوم تحت عنوان «المرأة البحرينية والعمل التطوعي.. 55 عاماً من المشاركة والعطاء»، وذلك تقديراً لمسيرة العطاء في العمل التطوعي، وفي 2011 فقد تم اختيار موضوع التمكين الاقتصادي للمرأة لهذا اليوم تحت عنوان «المرأة البحرينية في التنمية الاقتصادية.. شراكة وعطاء»، بينما حمل عام 2012 شعار «المرأة والرياضة: إرادة.. إنجاز.. تطلعات»، للاحتفال بإنجازات المرأة في المجال الرياضي. وجاء عام 2013، للاحتفال بإنجازات المرأة في مجال الإعلام، أما في 2014 فخصص للاحتفال بإنجازات المرأة في المجال العسكري وحمل شعار «المرأة في المجال العسكري»، أما احتفالات هذا العام فقد تركزت على الاحتفال بالمرأة في القطاع المالي والمصرفي.
وكل هذه الاحتفالات كانت برعاية كريمة وحضور من لدن صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة عاهل البلاد المفدى مما أضفى على هذه الاحتفالات أهمية كبيرة سياسياً وإعلامياً واجتماعياً سواء على المستوى المحلي أو الخارجي.
إن الاهتمام بالمرأة البحرينية قد نال جل اهتمام القيادة السياسية والوزارات والهيئات الكبرى في الدول، حتي بات الاحتفال بيومها حدثاً فاصلاً ومهماً تنتظره كل امرأة بحرينية، ذلك لأن العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عاهل البلاد المفدى قد أتاح للمرأة الوصول للسلطة التنفيذية ومواقع صنع القرار بالإضافة للسلطتين التشريعية والقضائية والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً من قبل.

* أستاذ الإعلام بجامعة البحرين