عندما كنا صغاراً في السن، كنا نحتفل بالعيد الوطني المجيد للبحرين بشكل مختلف عن اليوم.
رغم البساطة في ذاك الزمن، إلا أننا كنا نحس بالاحتفالات وكأنها جزء من كياننا، جزء لا يتجزأ، نحن لليوم الوطني، نستعد له، وحينما يبدأ اليوم ننظر كلمة الشيخ الحبيب الغالي على قلوبنا منذ كنا أطفالاً، المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد آنذاك، طيب الله ثراه، يبدأها بأحلى كلمتين كانت لهما وقع المحبة في قلوبنا «شعبنا الوفي».
كبرنا والبحرين دوماً في قلوبنا، وهي مازالت، بل حبها ترسخ بشكل أكبر، وبصورة أعنف، تغذيه كل محاولة اختطاف أو إساءة تستهدف بلادنا، نقف إزاءها صفاً واحداً لأجل تراب البحرين الغالية، ومع قيادتنا على رأسها ابن شيخنا الطيب صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله وسدد على دروب الخير خطاه.
متغيرات الزمن تفرض عليك مواكبتها، وكثير من الأمور تغيرت، ونحن أهل البحرين الذين يذكرنا القاصي والداني بطيبتنا وبساطتنا وكرم الإنسان البسيط قبل الغني وميسور الحال، نتذكر تلك الأيام ونقول «ليت الزمان يعود يوماً»، ونحن إلى «أيام لول»، ونتمتم بكل شوق «كنا في الماضي نفعل كذا وكذا وكذا».
ورغم ذلك، ليس من المعيب أن نشتاق للماضي الجميل، وليس تمرداً على الحداثة إن فكرنا بأن نسترجع الجميل من الماضي.
كنا نحتفل بعيدنا الوطني بشكل أحلى وأجمل، كنا نرى فيه فرحة كل بحريني مخلص لتراب أرضه، لم نجد فيه من يحاول «تنغيص» فرحة الوطن، أو أن يبتكر مسميات تتبع أجنداته متعمداً بأن يزامنها في هذا اليوم.
اليوم هناك من يكره أعياد البحرين، ويحاول أن يعكر صفوها، وهؤلاء مهما حاولوا لن ينجحوا في «سلخ» البحرين عن ثوبها الوطني، هم يسلخون أنفسهم عن الانتماء لبلادهم ويحاولون التأثير على من يتبعهم ويصدقهم بأن يفعل.
نعم، اليوم هناك مظاهر احتفالية بأعيادنا الوطنية، هناك فعاليات مختلفة ومتنوعة، لكن رغم كثرتها فالناس مازالت تتذكر مظاهر وفعاليات رسخت في الذهن وباتت تشكل جزءاً من كيانهم في الزمن الجميل.
تذكرون «كرنفال العيد الوطني» الشهير على شارع الاستقلال؟! هذه الفعالية التي كنا ننتظرها بشوق رغم بساطتها.
موكب طويل من المركبات المزينة والجميلة تسير على طوال الشارع العزيز باسمه «شارع الاستقلال». كأطفال كنا ننتظر هذا اليوم، نذهب ونقف على حدود الشارع لنتابع سير المركبات التي تعدها كل الوزارات والشركات الوطنية والأندية وبعض الأفراد الذين يحرصون على المشاركة في فرحة هذا الوطن الغالي.
الزينة موجودة، الألوان الحمراء والبيضاء تزين كل شيء، أعلام البحرين ترفرف شامخة وما أحلاها من أعلام، وصور قيادتنا ورموزنا الوطنية الذين نحبهم ونحترمهم ونثق بهم مرفوعة عالياً بكل اعتزاز. وبعدها ننتظر نزول الشمس وحلول المساء بانتظار مهرجان الألعاب النارية.
أتتذكرون هذه الأجواء؟! ألا تشكل جزءاً كبيراً من ذاكرتنا الوطنية التي زرعت فينا حب الوطن والالتصاق به؟! ألا يتمنى كثيرون منكم اليوم أن يعود لنا مثل هذا «الكرنفال» الكبير بمعانيه؟! فهو ليس مجرد عرض ولا حدث، هو ذاكرة وطن تربى معها أجيال وأجيال.
نحتفل سنوياً بعيدنا الجميل هذا، وسنحتفل به طالما في الجسد روح، لكننا سنظل نتذكر تلك الفرحة المميزة التي خلقتها ذكريات الماضي، وسنجد أنفسنا نقول بتلقائية مخاطبين الزمان لأجل البحرين الجميلة «يا زمان.. ارجع يا زمان».