حينما كتب وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يخطرها بأن «فرنسا ستنتهك حقوق الإنسان»، على خلفية هجمات الجمعة 13 نوفمبر 2015، لم يكن يتلاعب بالألفاظ، إنما كان يقصد كلماته على وجه التحديد الدقيق، لكنه لم يوضح أن ذلك الانتهاك سيتم توجيهه نحو المسلمين فقط.
هجمات الجمعة 13 نوفمبر كشفت البناء الفكري الهش الذي آلت إليه مفاهيم حقوق الإنسان، والحرية والمساواة والقيم الإنسانية التي تأسست بالدماء والنار منذ الثورة الفرنسية الشهيرة في عام 1789، على خطى مفكري وفلاسفة عصر التنوير من أمثال فولتير وجان جاك روسو وجون لوك وتوماس هوبز ومونتسكيو، الذين شكلت فلسفاتهم الأحداث السياسية فيما بعد، فكانت تلك الهجمات الامتحان الصعب الذي رسبت فيه باريس بكل تاريخها الحافل بالحريات والحقوق.
ومنذ حينها اتخذت باريس العديد من الخطوات والإجابات الصعبة في الامتحان من مداهمات وتوقيف وإعلان حالة الطوارئ وتمديدها لمدة ثلاثة أشهر، وإعادة مراقبة الحدود لتشديد الإجراءات الأمنية التي تتناقض مع مبدأ حرية التنقل في فضاء شنغن.
وبدأت تغشى باريس كوابيس مراكز «صناعة الخوف» ومعامل «تفريخ الكراهية» تجاه المسلمين، بعدما كانت فرنسا تفتخر بأنها تحتضن جالية مسلمة تقدر بما بين 7 و10 ملايين وهي أكبر جالية في أوروبا، ويتعايش الجميع في سلام.
وكانت دول الديمقراطيات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تشغل نفسها بأشياء أخرى، وتغض الطرف، وما أكثر غض الطرف حينما يتعلق الأمر بالمسلمين في كافة أنحاء العالم، والمسلمون لا عزاء لهم حتى من إخوانهم.
ذات الدرب الذي سارت فيه واشنطن، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تتنكبه باريس راهناً، حذو النعل بالنعل، وأكثر من ألف عملية مداهمة وتوقيف لمئات الأشخاص الذين يشتبه بأنهم يشكلون خطراً على الأمن العام، قامت بها الشرطة الفرنسية، وفقاً لما قاله وزير الداخلية، وكانت معظم المداهمات والمضايقات استهدفت مسلمين ومطاعم ودور عبادة لا علاقة لها بالتطرف والمتطرفين.
العديد من الحوادث المناهضة للمسلمين تشهدها فرنسا في الوقت الحالي، والأجهزة الإعلامية تضج بالعديد من النماذج، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات العنصرية والمناهضة للمسلمين بعد أن انتشرت أنباء الهجمات، والمرصد الوطني لمناهضة الخوف من الإسلام وجمعية التصدي للخوف من الإسلام في فرنسا، كلتاهما تحدثتا عن الاضطهاد الذي يمارس ضد المسلمين، وأشارتا إلى أن الحوادث المناهضة للمسلمين ومن بينها الهجوم على مسلمات ورسوم الجرافيتي التي تنضح بالكراهية زادت في فرنسا، واستغلت الجماعات القومية المتطرفة واليمين المتطرف وعنصريون الأجواء للهجوم على المسلمين، فأصبح المسلمون هم العدو الأول في الداخل.
الآن باريس عمياء، يسيطر عليها الغضب، خاصة منذ ما بعد أحداث «شارلي إيبدو»، لقد تغير كل شيء، يقول وزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون «النظام الجمهوري الفرنسي يكون قد فشل مادام المتقدمون من المسلمين لشغل وظائف لديهم حظوظ أقل بأربع مرات من غيرهم لنيل مقابلة عمل»، وذلك في إشارة منه إلى دراسة بهذا الخصوص أجراها معهد مونتان، ويضيف «الإقصاء هو حقيقة واقعة في فرنسا»، و»بعض المسؤولية في إقصاء الشباب المسلم تقع على عاتق النخبة السياسية».
صحيح أن القول بانتهاك فرنسا لحقوق الإنسان، لن يرقى لمرتبة الدفاع عن الأحداث الإرهابية التي شهدتها باريس وتبناها تنظيم «داعش»، ومع ذلك فإن الهجمات ليست مبرراً كي يلكم رجل فرنسي شابة محجبة في مرسيليا ويقطع ملابسها ويصفها بالإرهابية، ولا مبرراً لآخر يصدم محجبة أخرى بعربة تسوّق ويركلها داخل متجر في ضواحي ليون في نفس اليوم، ولا مبرراً للرصاص الذي أصاب تركياً بجروح في كامبراي بشمال فرنسا.