ما أسهل نطق كلمة «استراتيجية»، والدليل أنكم تجدونها في أغلب تصريحات المسؤولين، ويتم إقرانها بكل خطوة أو عمل أو إجراء على اعتبار أنه يتم بناء على «أهداف استراتيجية» أو وفق «خطة استراتيجية».
ولأننا نرى على أرض الواقع كثيراً من التأخر وكثيراً من التخبطات، فإن هناك حساسية مجتمعية تولدت إزاء كلمة «استراتيجية».
المشكلة حينما يكون اقتناع المسؤولين بكلمة «استراتيجية» على أنها «محسن لفظي» أو «كلمة جزلة» توضع في سياق جملة لتمنحها صوتاً مهيباً أو إيقاعاً جميلاً، هنا يكون إيراد الكلمة لعباً على الذقون، لأنها لا تكون وفق قناعة. وحين تكون القناعة بأهمية أي شيء مفقودة، فإن فعاليته لن تكون موجودة، والخطورة تكون حين يدفع المجتمع والناس الثمن لاحقاً، حينما لا يتمكن المسؤول ولا قطاعه من مواكبة ما تعهدوا به في تصريحاتهم أو أعلنوه كأهداف.
حينما يكون هدف التصريحات «الشو الإعلامي»، وليس الإعلان عن خطوات تحققت في اتجاه تفعيل «الاستراتيجية» إن وجدت، حينها لا يحق لهم المفاخرة بأي شيء، لأن لا استمرارية له أصلاً إلا الذكر في وسائل الإعلام، ولأننا كصحافة ننشر تصريحات بعض المسؤولين الذين أغلب عملهم على صفحات الجرائد عوضاً عن أرض الواقع، فإن الناس باتوا يستخدمون جملة «لا تصدقوا كلام الجرائد» بشكل مفرط وناجم عن قناعة.
الاستراتيجيات تحتاج لإيمان بها، يضاف إليها ممارسة صحيحة، هذان عنصران مهمان في التركيبة التي نفتقدها اليوم في عمل كثير من القطاعات.
الآن حتى نصل لجواب محدد عن التساؤل الذي نطرحه دائماً ما إذا كنا نمتلك «بالفعل» استراتيجيات مفعلة على الأرض بدلاً من كلام على الورق، علينا أن نرصد كل تصريحات صدرت عن مسؤولين يتحدثون فيها عن وجود استراتيجيات لقطاعاتهم، هذه كخطوة أولى تتمثل في «الرصد».
بعدها، لابد من معرفة أساس وضع هذه الاستراتيجيات، ولماذا الحاجة لها. وهنا لابد من فهم تعريفات الاستراتيجية التي لا تخرج عن كونها خطة عمل معقدة التركيب تفضي عملياتها في النهاية لتحقيق الأهداف المعلنة. أيضاً هنا لابد من التأكيد على أن وضع الاستراتيجيات وقبلها أهدافها بمعزل عن معرفة الحاجة الملحة لها والتي يجب استقراؤها من المجتمع، يعني في النهاية عملاً بلا إنجاز، لأنه لن يرتبط بما يطالب به الناس. وفي مرحلة التقييم، وهنا مربط الفرس، المسؤولون الذين يقحمون مصطلحات «الاستراتيجية» أو «العمل الاستراتيجي» أو «الأهداف الاستراتيجية»، لابد من استخلاص نتائج عملهم وفق ما يقولون بوجوده، لابد من قياس مدى تحقق الأهداف المبنية على الاستراتيجية، وكيف هي مسارات العمل التي حددتها.
إن وجدت كل هذه العناصر التي أشرنا لها أعلاه، فإن تلك القطاعات تعمل وفق استراتيجيات موضوعة، أما إن لم نجد، فإن الخلاصة تفيد بأن لدينا وزيراً أو مسؤولاً صدع رؤوسنا وآذاننا بكلمة «استراتيجية» وهو لا يملك واحدة وعمله يتم بـ»البركة».
ستجدون أمثلة كثيرة من النوع الثاني، تقابلها أمثلة أقل من النوع الأول، والسبب أن «تركيبتنا» بالفعل مختلة كما أشرنا لها أعلاه، فالإيمان بها شبه معدوم، والممارسة الصحيحة المعنية بها غير موجودة.