نريد أن نتطرق للشأن السياسي الذي مازالت البحرين متأثرة بتداعياته، وكذلك الحال بالنسبة للملفات «المحمومة» على صعيد الملفات الخارجية وما يمس إقليمنا المكتوب له التوتر الدائم، لكن للأسف الشأن المحلي دائماً يطل برأسه فارضاً علينا «دق نواقيس» هنا وهناك، لأن الداخل أهم من الخارج، خاصة فيما يتعلق بالاستقرار المجتمعي.
لا يمكننا القول بسهولة اليوم إن «الأمور طيبة»، وبنفسه سمو رئيس الوزراء حفظه الله خاطب الوزراء قائلاً «لا تقولوا لي الأمور طيبة»، إدراكاً منه بأن المقولة تعني «خفوت وتيرة العمل» والتسليم بأننا نسير في كل شيء بصورة صحيحة، وهذا مخالف للواقع وبالأدلة.
أكبر ملف يدعو للقلق اليوم في الداخل هو الملف الاقتصادي، وبالأمس أقرأ تصريحات متناقضة في خبر واحد يتحدث عن سقف الدين العام وحاجز الـ60%.
إذ في حين يرى بعض الخبراء ألا ضرر منه شريطة «وضعوا ألف خط تحت هذا الشرط» أن تكون هناك مشروعات مركزة في البنية التحتية والخدمات تحول البحرين من صاحبة اقتصاد استهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي، في مقابل تحذيرات من رفع سقف الدين والبقاء على نفس استراتيجيات العمل، ما يعني أننا سنغرق أنفسنا أكثر في الديون وأرباحها، الأمر الذي سيفرض مزيداً من التقشف، ومزيداً من الابتكارات في كيفية استخلاص رسوم يدفعها الناس بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر آلية «دفع الدعم».
في الرأي الأول، نمضي لتأييد ما يقوله الخبراء الاقتصاديين، لكن التنويه هنا لكون الكلام جميلاً حينما يكتب على الورق، ولكن الكابوس يكون حينما نعجز عن تحويله لواقع. بالتالي التحول من اقتصادي استهلاكي إلى إنتاجي، يدفعنا للتساؤل عن الخطة التي ستوضع بتفاصيلها وبسيناريوهات تطبيقاتها، وهل نتائجها مضمونة، أم أننا سنجرب «واللي يحصل يحصل»؟!
أما الرأي الآخر، فهو ما يسود الشارع، الناس قلقة، وتتوجس تداعيات خطيرة، خاصة وأن التقارير الإخبارية الاقتصادية تشير بعضها لسيناريوهات غير إيجابية، تتحدث في مضامينها عن أثر تراجع سعر النفط في دول غير منتجة، ولا تملك مصادر طاقة متجددة، ولا بدائل عن النفط.
المواطن يريد اليوم إجابات على تساؤلاته في شأن هذا الملف، يريد أن يطمئن على مستقبله ومستقبل أبنائه والأجيال القادمة، يريد كلاماً صريحاً مسؤولاً يقول له بأنه «لن يتضرر» من أية إجراءات، لا مساس بمكتسباته، ولا تضييق على حياته، ولا فرض رسوم إضافية على مدفوعاته، ولا رفع دعم سيؤثر فيه بقوة مثل رفع الدعم عن الكهرباء وحتى المحروقات.
حتى الآن لم نجد أمامنا عرضاً لخطة متكاملة تتحدث بثقة عن أفضل الأساليب والطرق لمعالجة الملف المالي، والتعامل مع انخفاض سعر النفط. لم نجد أمامنا إلا تصريحات تفيد بأن المواطن لن يتضرر، لكن قياس هذه التصريحات «ضبابي»، إذ لا مقياس حقيقياً أمامنا، وإذا ما أخذنا عملية «إعادة» توجيه دعم اللحوم كمقياس، فسنجد أنه مقياس «يناقض» فحوى التصريحات.
أنا كمواطن أريد إجابات تفصيلية واضحة، تقول لي إن المستقبل سيحمل كذا وكذا، بالأرقام وبالنسب. أنا كمواطن أريد أن أثق بأن الإجراءات التي تتخذ أو المزمع اتخاذها مستقبلاً ستكون في صالحي لا أن تكون مصدراً لأرقي.
النجاح في ضبط الأمور الداخلية، والعمل على راحة الشعوب وضمان معيشتها بكرامة ودون ضنك، أساس لأي عمل آخر نقوم به، فإدارة شؤون الناس بالطرق الصحيحة هي الأولوية التي لا تسبقها أولوية سوى ضمان أمن واستقرار البلاد.