الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أعزائي القراء، «حب الأوطان من مقاصد الإسلام»، فليس حبنا للوطن مجرد ذكرى طفولية، أو حقيقة فطرية، بل هو أجلى وأعظم في النصوص الشرعية، والمقاصد الأصولية.
ولنعلم إخوتي، أن الشارع الحكيم قد أتى بكل ما يصلح المجتمعات، ويدعو إلى نشر الخيرات، وترك المنكرات. ويمكن أن نستشعر ذلك في وصف نبينا - عليه الصلاة والسلام - كما في سورة الأعراف: «يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)»، «الأعراف: 157».
ومن جملة الخير والمعروف الذي حثت عليه الشريعة، تنمية روح الانتماء للبلد الذي نشأ فيه المسلم أو استوطنه، إذ إنه لا يتحقق التأثير الحقيقي في المجتمعات، إلا بعد الشعور بروح الانتماء، ولهذا كان من جملة دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام، كما ثبت عند الشيخان: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد»، فنبينا «ص»، بعد أن استجاب للواجب الشرعي في وجوب الهجرة من البلاد التي لا يأمن المرء فيها على دينه، وبعد استجابته للواجب الشرعي في حرمة تقديم حب الأرض والمسكن على حب الدين ونصرته، إذ يقول سبحانه: «قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (24)»، «التوبة: 24»، فعندها هاجر «ص» إلى أرض جديدة لم يكن له فيها ذلك التعلق الفطري، دعا ربه سبحانه وتعالى أن يحبب له هذه الأرض الوليدة حتى تكون في قلبه كوطنه الأم، مسقط رأسه، بل أشد.. «اللهم حبب إلينا المدينة».
ونبينا «ص» لا يسأل ربه إلا بما هو مطلوب شرعاً، لا يسأل ربه إلا بما فيه الخير والصلاح، لا يسأل ربه إلا بما يحقق العمل والإنتاج، لا يسأل ربه إلا بما يحافظ على المكتسبات.
أعزائي القراء، وينبغي أن يتعاظم الشعور بالمواطنة والانتماء بالنسبة لنا مواطني شبه الجزيرة العربية، فالله سبحانه وتعالى شرف جزيرة العرب بأحكام مخصوصة، إذ بها مهبط الوحي ومأرز الإيمان، وفيها الحرمان الشريفان وقبلة المسلمين، فحبها فرض، والذب عنها من أعظم الطاعات، وطاعة ولاتها بالمعروف من أجل القربات. بل هذه القوة الدينية المتعلقة بهذه الجزيرة هي أقوى قوة نواجه بها كل ضعف أمام العالم، هي القوة الباقية، بل كل القوى دونها فانية، فمكة والمدينة وجزيرة العرب هم أقوى القوى لدينا، فبهم يغرس انتماء الرسالة، وانتماء التأثير، وقوة الانطلاق. وهذا الشعور يعطينا من التحفيز لنفخر بانتمائنا لهذا البلد الكريم، ويعطينا انتماء وشعوراً بأننا يجب علينا أن نعمل ونعمل ونعمل لأحبائنا وإخواننا في بلدنا.
من هذه المقدمة – أيها الأحبة – ننطلق معاً في ما نستقبل من أعمدة، لنستعرض مكانة الوطن في النصوص الشرعية، والمواقف النبوية، ليظهر لنا بما لا مجال للشك فيه، عناية الإسلام بهذا المبدأ: «حب الأوطان من مقاصد الإسلام». نلتقيكم بإذن الله مع العمود القادم لنستعرض أبرز الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع.
* الباحث الشرعي بإدارة الشؤون الدينية
بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف