من أسمى معاني التكافل الإسلامي والإنساني هو تنامي مفهوم «التبرعات» بكافة أصنافها عند مجتمعاتنا، فالمتبرع يعتبر إنساناً سامياً، وجامع التبرعات له من الأجر الشيء الكثير، وفوق كل ذلك، تعتبر «التبرعات» من أهم وجوه التكافل الاجتماعي، لأنها تخلق نوعاً من التوازن بين الأفراد والجماعات، وما ضاع من حقوق بسبب ظلم أو حروب أو كوارث، نجد أن أموال التبرعات تسد مسد النقص الحاصل بسبب تلكم الأزمات التي يتعرض لها الإنسان في أية بقعة من الأرض.
من هنا ومن حيث المبدأ، نحن مع فكرة التبرعات وجمعها في سبيل إنقاذ حياة إنسان أو مساعدته، خصوصاً إذا كان من أصحاب الحلقات الضعيفة في المجتمع، كالطفل والشيخ والمريض والمهجر والفقير وكل من لا يستطيع أن يجد من نعيم الحياة بصيص أمل.
لكن، ما قد نتجادل بخصوصه في هذا الشأن، هو في الطريقة والأسلوب التي يتم بها جمع التبرعات، حيث يعلم الجميع، أن هنالك الكثير من الجهات غير المضمونة اليوم تقوم بهذا الفعل خارج نطاق الدولة أو بعيداً عن كاميرات «القانون» التي من شأنها أن تضبط عملية جمع التبرعات والأموال، ومن ثم إيصاله للجهات التي من المفترض أن تستفيد منه بشكل كامل.
نرجو من الجهات القائمة بهذا العمل ألا «تزعل» أو تنزعج من مطالبتنا بمراقبة كل «فلس» أو «بطانية» تدخل أو تخرج من البحرين، فالخضوع لسلطة القانون يجب أن لا يثير غضبنا، ومن يغضب لفرض القانون فإنه المستفيد من تنقل أموال التبرعات وغيرها خارج نطاق الدولة نحو جهات مجهولة أو حتى مشبوهة، وهذا ما لا يجب أن نرضى به كلنا.
إن السبب الأبرز في مطالبتنا بمراقبة أموال التبرعات العينية وغيرها في البحرين، هو بسبب تنامي موجات الإرهاب العالمية، مع وجود واكتشاف جمعيات وشخصيات عربية وإسلامية تقوم بتمويل الإرهاب تحت عناوين إنسانية فاقعة كالمساعدات والتبرعات، أو أن هنالك الكثير من هؤلاء يقوم بسرقة تلكم الأموال مستفيدين من عضوياتهم في جمعيات خيرية أو إنسانية.
ليست كل الجمعيات الإسلامية والخيرية تفكر بدعم الإرهاب أو بسرقة أموال المتبرعين، بل ما نطالب به هنا أن تخضع كل الجمعيات والشخصيات المنوط بها هذا العمل الإنساني لقانون الدولة في هذا المجال، من أجل سد الذرائع والحجج عند من يفكر بأي فعل يخل بالأمن المحلي والدولي، وكذلك قطع الطريق على كل نفس ضعيفة لا تصمد أمام المال فتقوم بسرقته تحت عناوين التبرعات وغيرها.
إن إخضاع مال التبرعات لمراقبة الدولة وتحت عين القانون، يضمن للمتبرع حقه في السؤال عن مالهِ أين سيذهب وكيف سوف يستخدم، كما يضمن للمحتاج وصول كافة التبرعات الخيرية إليه وفق القانون، والأهم من كل ذلك، ضمان عدم تسرب الكثير من أموال التبرعات وغيرها إلى جهات مشبوهة أو إرهابية تقوم بتمويل نفسها من أموال الناس.
الدولة مطالبة اليوم أن تكون أكثر يقظة في هذا المجال، وأن تفتح أعينها لكل أموال التبرعات في البحرين، فالعواطف والشتاء القارص وصور الأطفال داخل المخيمات من دون إية إمكانيات إنسانية، لا يمكن أن تبرر سكوت الحكومة عن جمع أي «قرش» خارج نطاقها، فالإرهاب وقضاياه من أبرز التحديات التي تواجه الدولة وكل المنطقة، فلا مجال للعواطف الساذجة في هذه الأجواء المتلبدة والمتربصة. فالقانون يضمن حق الجميع ولا يقيد حق أحد.