لعل الملف الأبرز بين الملفات التي يهتم بها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، هو ملف «نشر ثقافة التسامح وتعزيز الوحدة الوطنية»، فجلالته ومنذ تسلمه مقاليد الحكم في البلاد يؤكد في كل مناسبة أهمية نشر هذه الثقافة باعتبار عنصريها ركيزتين أساسيتين تحميان المجتمع والوطن من كل سوء، لهذا ركز جلالته خلال استقباله أخيراً لرئيس مجلس الأوقاف السنية على هذا الموضوع ووجه إلى «تهيئة وإعداد الأئمة والخطباء لنشر ثقافة التسامح والإخاء وتوجيه الخطاب الديني بغية تعزيز الوحدة الوطنية وإظهار المنجزات التنموية التي تحققت للبحرين بفضل جهود أبنائها».
المرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة حالياً تحتاج إلى نشر هذه الثقافة التي هي ليست جديدة على شعب البحرين، حيث التسامح والتآخي سلوك متأصل فيه منذ القدم، بل إن هذا الشعب اشتهر بهذه الصفات التي هي في كل الأحوال سلوك ظل طويلاً يمارسه بتلقائية وتؤكد عليه أفعاله ومواقفه ويشهد له بها التاريخ. التسامح مع الآخر -أياً كان هذا الآخر وأياً كان حجم ومستوى الاختلاف بيني وبينه- يعني الاتفاق على فتح صفحة جديدة يبدأ التدوين فيها من بداية السطر الأول، والتآخي يعني أن الآخر لا يختلف عني وإن توفرت صفات الاختلاف الطبيعية بيني وبينه، فنحن إخوة في المذهب وفي الدين وفي الحياة وفي البشرية، والمشترك بيننا كثير وينبغي توظيفه لصالحنا جميعاً. أما الوحدة الوطنية فمن دونها لا يمكن درء الأخطار عن الوطن خصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة والعنيفة التي تشهدها المنطقة ويشهدها العالم أجمع.
توجيه صاحب الجلالة يؤكد أيضاً على أهمية إظهار المنجزات التنموية التي تحققت، فهذه المنجزات هي نتاج عمل مشترك بين كل المنتمين لهذا الوطن واستغرق سنوات ويستفيد منها الجميع، وهذا ما يريد جلالته من الأئمة والخطباء بشكل خاص التركيز عليه في الفترة المقبلة، فهو خارطة طريق من شأن الالتزام بها والسير على هداها حفظ هذا الوطن من كل سوء.
طبعاً توجيه صاحب الجلالة لم يكن لفئة من الأئمة والخطباء دون فئة ولكنه للجميع من دون استثناء، فهذا العمل ليس فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر، ولكنه واجب على كل الأئمة والخطباء وكل من يعتلي منبراً ويقف في خانة الإرسال إلى المتلقين، وهذا يشمل المربين والمعلمين والصحافيين والإعلاميين وغيرهم، فالرسالة واحدة وإن تعدد ناقلوها وتعددت أساليبها وطرقها.
توجيه جلالة الملك تزامن مع موافقة مجلس الشورى على مقترح منع المنتمين إلى الجمعيات السياسية والمشتغلين بالسياسة من استغلال المنبر الديني الذي عاني من بعضهم كثيراً وتسبب في كثير من الأحيان في التأثير سلباً على الوحدة الوطنية وصولاً إلى شق الصف والتأثير على توجهات التسامح والإخاء الديني.
بلادنا تمر بمرحلة وظروف خاصة تستدعي اتخاذ إجراءات معينة والالتزام بسلوكيات هي من أساسات حياتنا وليست غريبة علينا، والمنطقة التي نحن جزء منها تمر بمرحلة وظروف خاصة تستدعي اتخاذ مثل تلك الإجراءات وغيرها، أي أن البلاد والمنطقة تمران في ظروف استثنائية تفرض التعامل معها بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن كل التفسيرات السالبة لا مكان لها هنا، فلا مكان للتفسيرات والتأويلات والمواقف السالبة في زمن الاستثناء.
ولكن هل الدعوة إلى التسامح والإخاء استثناء؟ وهل الدعوة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية استثناء؟ وهل إبراز منجزاتنا التنموية والحضارية والتفاخر بها استثناء؟ لعل الجديد في كل هذا هو تأكيد هذه السلوكيات والدعوة إلى الالتزام بها وإلا فإن كل هذه السلوكيات هي ما عرفت به البحرين وعرف به شعب البحرين وقيادته.