يجب أن تكون تطلعات مجلس التعاون الخليجي أكبر بكثير مما كانت تسير عليه هذه المنظمة منذ نشأتها الأولى وحتى اليوم، كما يجب أن تتغير قوانين ولوائح عمل المجلس حسب حجم التحديات التي تواجه دوله وشعوبه معاً، فلا يمكن أن يستمر عمل المجلس بذات الطريقة التي كان عليها قبل أكثر من نحو 20 عاماً، فالمواقف تغيرت والتحديات تنامت، والأزمات التي تعصف بالمنطقة تغيرت تضاريسها ووجهتها، وكذلك حدَّتها وقوَّتها، ولهذا فإن خيار البقاء والاستمرار لهذا المجلس، رهين بمدى قدرته على تغيير جلده وفق ما تتطلبه هذه المرحلة.
لا يمكن أن يستمر المجلس الخليجي في عطاءاته بعقلية الماضي، ولا يمكن أن تنفعه الأصوات التي تحاول الدفع به نحو الماضي عبر حزمة من المجاملات الباردة، فالوقت ليس متاحاً للمجاملين من أبناء الخليج العربي، فمن يقرأ واقع كل التحديات التي تواجه دول المجلس، يتيقن بضرورة وأهمية أن يتغير شكل المجلس وعمله، وهذا ليس انتقاصاً من مجلس التعاون، لكنها حركة تصحيحية بغرض تدوير المصالح السياسية وفق الاستراتيجيات الحالية والمستقبلية، بعيداً عن العيش في جلباب الماضي أو حتى أحلام المستقبل.
يجب أن يعاد تشكيل «عمل» مجلس التعاون الخليجي بصورة تتناسب وحساسية المرحلة وحجم التحديات التي تقف الآن على أعتاب دولنا كلها دون استثناء، فالحكومات الخليجية أمامها الكثير من العمل الجاد من أجل النهوض بمشروع سياسي ينقذها من ورطة المستقبل، كما عليها أن تواجه كل التحديات الاقتصادية الخطيرة بوضع برامج عملاقة تطرق أبواب الاستثمار بشتى درجاته وصنوفه، كذلك يجب عليها أن تتطلع لرسم استراتيجيات واضحة وصريحة وقوية مع شعوبها في سبيل استكمال العمل المشترك.
من كان قلبه مع دول مجلس التعاون الخليجي، فليكن صادقاً في محاولة نقده من أجل البناء والدفع باتجاه المستقبل، فالمتسلقون والمنافقون والملمِّعون لا يدركون حقيقة مُرَّة، وهي أن استمرارية عمل المجلس لا يكون عبر برتوكولات سطحية ساذجة وبالية، بل يكون عبر تنقيح المنظمة من كل الشوائب، ورسم خطط تتسق وتتناسب وكل دول المجلس، وهذا لا يكون إلا عبر إرادات صادقة وعمل جاد ومخلص.
الجواز الموحد والعملة الموحدة والاقتصاد المشترك وشبكة المواصلات المشتركة وغيرها من المشاريع الواعدة التي سمعنا بها مع انطلاقة الجلسة الأولى للمجلس، إضافة لنبذ الخلافات الجانبية بين بعض الدول لتكون كلها خلف ظهورهم، هي المحفِّزات الواقعية لبناء مجلس يقوم على احترام رغبات الشعوب، ويطور من أداء الحكومات، ويواجه التحديات بالعمل الجاد، أمَّا ما دون ذلك من زيف وتزييف لما يحوط بنا من هواجس حقيقية ومخاطر بشعة، فإنه سراب لن ينهض بالمجلس سوى على صفحات الصحف ونشرات الأخبار، بينما الواقع يؤكد أن العبء ثقيل جداً. فنحن اليوم بين خيار أن نكون أو لا نكون، والأمر بيدنا لا بيد غيرنا، أمَّا الوقت فإنه بدأ يلتف حول أعناقنا، ومن هنا وجب التنبيه والحذر.