في منعطفات التاريخ وأوقات الثورات وشن الحروب والتدخلات العسكرية، ينتعش سوق السلاح بشكل غير مسبوق، وتعود الحياة في شرايين شركات الأسلحة، التي لطالما عملت سراً على إزكاء نار الحروب من أجل مزيد من الأرباح. وحينما صادق البرلمان البريطاني بداية الشهر على قرار ضرب تنظيم «داعش»، ارتفعت أسهم العديد من شركات السلاح، إذ وصلت في شركة «BAE» المستفيد الرئيس من الإنفاق العسكري في بريطانيا، منذ هجمات باريس في 13 نوفمبر الماضي، إلى 14% خلال أسبوعين ونصف، و1.5% أسهم طائرات وصواريخ شركة «إيرباص» المطورة لطائرة «تايفون» هم شركة «فينميكانيكا» العسكرية الإيطالية العملاقة، ارتفاعاً يقارب 2%. ليس من مصلحة الدول الكبرى وشركات الأسلحة القضاء على الإرهاب، ربما تكون استراتيجياتها ألا تصل يد الجماعات الإرهابية إليها، فإذا ساد السلام في العالم، بل لنقل في الشرق الأوسط ودولنا العربية والإسلامية، فإن هذه الشركات ستنهار، وتفقد الدول الكبرى مورداً مالياً مهماً، لذلك تعمل هذه الدول على تحجيم تنظيم «داعش» وليس القضاء عليه، ولو كانت تريد ذلك لكان.
ويأتي تشكيل التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة مهرجان تسوق جيد لشركات الأسلحة الأمريكية، ففي الفترة من يوليو إلى أغسطس من العام الماضي ارتفعت أسهم «لوكهيد مارتن» بنسبة 9.3%، وارتفعت أسهم «جنرال داينامكس» بنسبة 4.3%، أما «رايثيون» و»نورثروب» فبنسبة 3.8%.
وتظل أجهزة الاستخبارات ومراكز الأبحاث تجتهد في سبيل الوصول إلى الاختلافات وصب الزيت عليها لمزيد من الخلافات، وتجلس لتتفرج وتستلم عوائد جيدة من شركات السلاح.
وشركات السلاح حينما تبيع لا تتبع مساراً أخلاقياً اللهم إلا ما يصب في إطار «أخلاق الحرب»، فسماسرة السلاح وتجاره ينشطون هنا وهناك، ويتمتعون بعلاقات جيدة مع الجماعات الإرهابية، وبعضهم يرتبط بأجهزة استخباراتية، فالمصالح مشتركة والأهداف تلتقي وتتحرك في مسارات متوازية، وبعضها يتقاطع.
تقرير منظمة العفو الدولية الذي أصدرته الثلاثاء الماضي تحت عنوان «جردة حساب: تسليح تنظيم الدولة الإسلامية»، أشار إلى أن «الاستهتار في تجارة السلاح» تسبب في تأجيج الفظائع التي يرتكبها تنظيم «داعش»، وأن «عقوداً من التنظيم السيئ لعمليات تدفق السلاح إلى العراق، وتراخي الضوابط المفروضة عليها «وفرت ترسانة من الأسلحة ليستخدمها في «ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».
وبنظرة سريعة للتقارير والدراسات المتعلقة بتجارة الأسلحة، ومنها المركز الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم «SIPRI»، فإننا نلحظ أرقاماً ونسباً مهولة لحجم هذه التجارة، التي تسيطر على 74% منها خمس دول هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا، منها 58% تسيطر عليها الولايات المتحدة وروسيا اللتان تتقدمان بفارق شاسع على بقية الدول الأخرى، فيما تشير تقارير إلى أن الإنفاق السنوي على هذه التجارة يتأرجح ما بين التريليون ونصف والاثنين تريليون دولار، وهو رقم يمكن أن يساهم في حل كافة المشاكل الصحية والغذائية، فهناك نحو 840 مليون شخص في العالم تنقصهم سبل الحصول على أغذية كافية ومأمونة ومغذية، منهم 11 مليوناً في البلدان الصناعية، و30 مليوناً في البلدان التي تمر بمرحلة تحول، و799 مليون شخص في البلدان النامية.
وعمالقة صناعة السلاح في العالم عشرة، هي بالترتيب شركة «لوكهيد مارتن» الأمريكية بحجم مبيعات قدر بـ35.49 مليار، و»بوينج» الأمريكية، بمبيعات 30.7 مليار دولار، و»بي إيه إي سيستمز» البريطانية، بنحو، 26.82 مليار دولار، و»رايثيون» الأمريكية بقيمة 21.95 مليار دولار، و»نورثروب جرومان»، الأمريكية، بنحو 20.22 مليار دولار، و»جنرال ديناميكس» الأمريكية بقيمة 18.66 مليار دولار، و»إي إيه دي إس» بـ15.7 مليار دولار، و»يونايتد تكنولوجيز كوربوريشن» الأمريكية بـ11.9 مليار دولار، و»فينميكانيكا» الإيطالية بـ10.56 مليار دولار، و»تاليس» الفرنسية، 10.37 مليار دولار.