«السوق» له نفسية ومزاج ومعنويات تنعكس على الثقة تعزيزاً أو انتكاسة، هذه حقيقة لا تؤمن بها مملكة البحرين مع الأسف.
بالأمس حفلت الأخبار بأرقام وإحصائيات واعدة وإيجابية بالنسبة للاقتصاد البحريني، فتوسطت أخبار اجتماع مجلس التنمية الاقتصادي وأرقامه المبشرة بـ32 مليار دولار استثمارات في البحرين للسنوات القادمة، وأخبار مشاريع المدينة الشمالية وخبر توسعة المطار الصحف الصادرة بالأمس، حتى جسر الملك حمد كان له نصيب من الحصيلة الخبرية رغم أنه مازال مشروعاً على الورق، وكأن الجميع فجأة (صحصح) واستفاق واكتشف أن البحرين بحاجة لأن تسمع شيئاً إيجابياً.. جيداً.. ممتازاً.. برافو.. لكن استمروا واصلوا لا تنقطعوا.. لا تتخيلوا مدى تأثير هذا الحراك على معنويات السوق ونفسيته إنما في حال واحد.. في حال الاستمرارية.
التواصل والحديث المباشر والظهور الإعلامي واطلاع الناس على ما يجري من خلال أخبار الاجتماعات من خلال التصاريح واللقاءات الخاصة من خلال الزيارات الميدانية من خلال اللقاءات المتلفزة توحي بوجود حركة في البلاد وتأثير هذا الحراك كبير على مسالة الثقة التي تحدثنا عنها قبل يومين.
إنما لا يجب أن يكون هذا الظهور متقطعاً ومتباعداً ويضيء فجأة ويطفأ فجأة، كما حدث مع زيارة سمو رئيس الوزراء لمركز المستثمرين في ذاك اليوم، أو كما حدث مع حكاية المشاريع المتعثرة قبل فترة، أو كما حدث مع لجنة متابعة المشاريع الحكومية أو.. أو.. كما حدث بالأمس.. إلخ.
لتقر الحكومة أن هناك فجوة وتباعداً بينها وبين الآخرين محلياً ودولياً وأن هناك ثقة ضعيفة بحاجة لتعزيز، وأن غيابها وصمتها عن الأسئلة الرئيسة والهامة حول خططها وبرامجها لسداد الدين العام وتقليص العجز وتنويع مصادر الدخل ساهم في اهتزاز هذه الثقة، ثم اختفائها وظهورها غير المدروس والمتقطع زاد من تلك الهوة وباعد بينها وبين من يتعاطى معها.
كما لتقر الحكومة أن السوق بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام قائم في جزء كبير منه على مسألة الثقة، ولطالما رأينا سعر سلعة كالنفط يقفز أو يتدنى بناء على خبر وقد يكون إشاعة ومثلها الأسهم والسندات.
قد تكون هذه الأرقام التي نشرت بالأمس أخباراً مكررة ليست بالجديدة ولكن العامل النفسي الذي يحدثه نشر هذه الأرقام أو الذي يتركه ظهور صور المسؤولين واجتماعاتهم وحراكهم له تأثير كبير على معنويات المتعاطين مع الحكومة سواء كانوا مستهلكين لخدماتها أو كانوا مستثمرين.
لم نكن نود المقارنة مع الاخرين و لكننا مجبرين على ذلك، تابعوا و راقبوا كم الصور التي تبث للوزراء في الدول المجاورة في الإعلام الرسمي أو غير الرسمي، وهي تسير، تزور، تعطي أوامرها، تصحح خطأ، تعالج موقفاً، تحدث تغييراً في مواقع. حراك حي (لايف) بث مباشر يوحي بالحياة و الشبابية والاستمرارية، ذلك الحراك ليس اعتباطياً أو عفوياً أو تلقائياً وإن كان يبدو كذلك، إلا أنه مقصود ويهدف لرفع معنويات ونفسية الإنسان مواطناً أو مقيماً أو مستثمراً وتعزيز اللحمة الوطنية والانتماء وكلها عوامل منعشة للسوق و الاقتصاد، عملية مدروسة ومحافظة على رتمها واستمراريتها.
وللعلم مرت تلك الدول بأزمات اقتصادية قبل سنوات، وتمر عليها ذات الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التي نتعذر بها نحن فقط.