في أعيادنا الوطنية، لابد أن تسحبنا العاطفة لنتغزل في الوطن، إذ إن لكل إنسان وطناً، وإن لكل وطن عشقاً، وقصة عشق البحرين لا تنتهي بانتهاء يومه الوطني، حيث إن كل أيامنا هي البحرين. نحن ندرك جيداً بأن لعشق الوطن وجهين، الأول هو فيما يتعلق بالعشق الوجداني والعاطفي تجاه الأرض التي «تربينا» عليها، والثاني هو في كيفية الدفاع عنها وعن كل مكتسباتها الوطنية، وهذا ربما يكون الترجمان الفعلي لحب الوطن، فالأول هو عشقه والآخر هو فلسفته من الناحية الفعلية.
نرفع الأعلام، ونزين الشوارع، ونغني ونفرح ونشارك ونبتهج بعيد الوطن، وهذا هو المظهر الخارجي للحب، أما ترجمان هذا العشق على أرض الواقع، فهو أن نحافظ على وطننا، وأن نذود عن حياضه، وأن نرفض كل من ينال منه، كما إن من أبرز ملامح عشق الوطن، هو ألا نخونه ولا نؤذيه ولا نسرقه ولا نفسد فيه ولا نفرط في مكتسباته وثرواته ونبدد طاقاته، فهذه الأمور، ليست كرهاً للوطن وحسب، بل هي تدمير له ولمستقبل أجياله وحتى حاضره.
أن تحب وطنك، هذا يعني أن ترفض كل أشكال الفساد، وأن تلتزم بالنظام وتتقيد بالقانون الذي يحمي الأنفس والأموال، إذ لا يمكن أن ترفع بيدك اليمنى علم الوطن، وترسل الأخرى للعبث به وسرقته، فالحب ليس شعاراً فارغاً أو صرخات جوفاء، وإنما يظل الحب يدفعنا بأن نصون ثرواتنا ولا نبددها في طريق الفساد.
الكثير منا ربما يهتم بالجانب العاطفي في أعيادنا الوطنية، وهذا من الأمور المحببة والفطرية عند كل إنسان يعشق وطنه، لكن هناك من الممارسات والسلوكيات العملية ما قد تفوق شكل الاحتفاليات والمظاهر، وهي عبارة عن مجموعة من الانضباطات المهمة، سواء عند إشارات المرور، وليس انتهاء بالحفاظ على المال العام للدولة وأمن المجتمع، فالوطن ليس مجموعة من الغنائم وليس مصدر سعادة لمسؤول أو فرد، وإنما هو حمل ثقيل يحمله الكبير قبل الصغير، والوزير قبل الغفير. إنه الأمانة التي سوف تسائلنا عنها أجيال الغد، ونحن بين خيارين، إما أن نرفع راية الوطن «النظيف» خفاقة في السماء، أو أن يلعننا التاريخ لنبقى في مزابله، فالوطن أكبر من حفلة أو أنشودة طارئة في يومه، بل هو هذا وذاك. إنه مزيج بين القلب والعقل، بين الصدق والإرادة، ولهذا يجب أن نجدد مفهوم الوطنية في مناهجنا وتربيتنا وسلوكنا، لنقول للقادمين، بأن البحرين أمانة، لا يحملها أو يتحملها إلا العاشقون المخلصون العاملون الصادقون.