نواصل في الجزء الثاني من المقال الحديث عن الصلة بين الدولة الفاشلة والتغير المناخي. اليوم يشهد العالم وباء الدول الفاشلة، فليبيا وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى والصومال ومالي كلها فقدت السيطرة على مناطق من أراضيها. وفي كل حالة من هذه الحالات خلق ضعف سلطة الدولة فراغاً للمتشددين ولاسيما تنظيم الدولة «داعش» لتجنيد أتباع والقيام بعمليات. كما أدت الصراعات إلى انطلاق موجات هائلة من اللاجئين إلى أوروبا غير المستعدة للتعامل معها.
والآن فكر في عالم زاد فيه السكان تحت سن الرابعة والعشرين في أفريقيا بواقع 500 مليون نسمة وزاد فيه سكان سوريا وأفغانستان والعراق وفلسطين واليمن بأكثر من 100 مليون نسمة. وهذا هو تقدير الأمم المتحدة لعام 2050. أضف إلى هذا المزيج تشكيلة من موجات الجفاف الحادة والفيضانات المدمرة والفشل المحصولي والهجرات الجماعية التي تخلق صدامات ومنافسة شديدة بين الفئات العرقية والدينية التي تكافح من أجل الأرض والموارد والدخل. ثم فكر كيف لحكومات هذه المناطق أن تتصدى لمثل تلك الأزمات وما إذا كان من الممكن لأوروبا وغيرها من الملاذات الآمنة استيعاب ولو جزء يسير من طوفان اللاجئين الناتج عن ذلك.
لو أن مثل هذا العالم موجود اليوم لتضاعفت الأزمة الحالية في سوريا وأفعال إرهابيي «داعش» مرات عديدة.
ومن ثم كان على زعماء العالم في باريس التركيز على الفرصة السانحة أمامهم للتخلص من أحد العوامل الرئيسة التي يحتمل أن تؤدي إلى انهيار دول وإلى الإرهاب في المستقبل وذلك بتبني تدابير قوية لوقف الاحتباس الحراري.
فقد فات أوان التدابير المتواضعة لمعالجة الاحتباس الحراري. وكما توضح دراسة الجفاف السوري فإن تغيرات أنماط الطقس -بما يحرم مناطق هشة من سقوط كميات كافية من الأمطار- أمر يحدث بالفعل. وسيتطلب منع المزيد من الكوارث أكثر من مجرد التمسك بمستويات اليوم من انبعاثات الكربون في الصين والولايات المتحدة وأوروبا. والبصمة الكربونية الحالية لأفريقيا ضئيلة إذ إن سكانها يفتقرون إلى الطاقة حتى أن كل أفريقي ينتج سبع ما ينتجه كل صيني من غاز ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك فلو أن لنصيب كل أفريقي بحلول عام 2050 من إنتاج انبعاثات الكربون أن يماثل ما تنتجه الصين اليوم فإن الانبعاثات الكربونية لأفريقيا ستعادل ما تنتجه الصين والولايات المتحدة معاً اليوم.
وبعبارة أخرى لو أن أفريقيا تقدمت فقط لتصل إلى المعدلات الصينية من استهلاك الوقود الحفري بحلول عام 2050 بل وتمكنت كل الدول الكبرى المنتجة للانبعاثات حالياً من وقف نمو انبعاثاتها بالكامل لزادت الانبعاثات العالمية بنسبة 40% بحلول منتصف القرن لتتجاوز موازنة الكربون المطلوبة من أجل قصر الارتفاع الإجمالي في درجات الحرارة على حد الدرجتين الذي أوصت به الهيئة الدولية للتغير المناخي من أجل تفادي تدهور حاد في المناخ.
وعلى العالم أن يتحرك بسرعة على جبهتين من أجل السماح بالنمو الضروري في استخدام الطاقة في أفريقيا وهو الأمر الضروري لزيادة مرونة وقوة دول أفريقيا وقدرتها على توفير الوظائف والأمن لسكانها المتزايدين. فعلى الدول الكبرى المسببة للانبعاثات أولاً إيجاد السبل الكفيلة لتقليل إنتاجها من الكربون عن مستويات اليوم على وجه السرعة. وعليها أيضاً أن تطور مسارات منخفضة الكربون للنمو الاقتصادي حتى يمكن لبقية العالم أن يتطور دون خلق تهديدات هيكلية جديدة بأزمات سياسية.
ومن الممكن تحقيق هذه الأهداف. فلو أن الولايات المتحدة وأوروبا والصين خفضت كلها انبعاثات الكربون بنسبة 20% لأمكن للدول النامية الأخرى أن تزيد انبعاثاتها الكربونية بنحو الثلث دون أي زيادة في ناتج الكربون العالمي. ويجب أن يكون هذا هو الهدف للسنوات العشر المقبلة.
أما بعد هذا الموعد فمن الضروري إيجاد سبل تمكن كل الدول من التخلص من الاعتماد على الوقود الحفري من أجل اقتصادها وتقليص الانبعاثات العالمية وفي الوقت نفسه تعزيز النمو الاقتصادي العالمي.
إن الإرهاب يزدهر في ظل الدول الضعيفة والفاشلة وفيما بين النازحين. وإذا كان لنا أن نقلص الاثنين معاً في المستقبل فنحن بحاجة لضمان ألا يشهد مناخنا مزيداً من التدهور. وإذا فشلنا في منع استمرار الاحتباس الحراري فربما يتجاوز ارتفاع الحرارة السياسية الاحتباس الحراري للطقس بكثير.
* خبير في الثورات بمركز «وودرو ويلسون»
وجامعة جورج ميسون وزميل في «بي إس 21»
نقلاً عن وكالة «رويترز»