كلنا يعلم أن غالبية الدول التي عاشت ظروفاً كالحة كالحروب والأزمات، تنتعش في أجوائها الرواية والقصة والشعر والأدب والأغنية والرسم والنحت وكل ما له علاقة بالفن والإبداع، فربما تكون الصيغة «الفنية» للحياة هي التعبير الأمثل للنهوض بالمجتمع في ظل الأوضاع العصيبة التي تمر به.
في إبان الحروب الأوروبية والعالمية، لم تتوقف الرواية ولا حتى عزف البيانو على الأنقاض وفوق أصوات المدافع، فكانت الموسيقى ومعها المسرح وكتابة النصوص الأدبية الرائدة هم الرافد الحقيقي لاستمتاع الإنسان بحياته اليومية بعيداً عن الضجيج والموت والفقر والأزمات الأخرى، ولهذا فإن ازدهار الجماليات الأدبية والإبداعية في أوروبا، كلها ظهرت بشكل جلي في عصر الحروب والموت، وكأن كل ما كان من عبثية، هو الملهم الحقيقي للمبدعين وللمجتمعات الغربية بشكل عام.
نحن ولله الحمد، لم نصل كدول ومجتمعات إلى هذه المستويات من الحروب والأزمات، لكننا كلنا يعلم مدى الأوضاع القلقة التي تمر بها منطقتنا، وربما الأزمات الاقتصادية القوية التي تضرب دولنا، هي أحد أشكال الأزمات الحقيقية التي تؤثر على موازنات الدول، ولهذا فالكثير من دولنا ومنها البحرين، يعتقدون أن مشروع تخفيف المصروفات وكل ما له علاقة بالتقشف، يجب أن يكون من نصيب الثقافة، لأنها ليست من الضروريات كما يتوهم البعض، ولهذا نجد أن ميزانية الثقافة بدأت تتلاشى وتختفي في زمن الأزمات الراهنة، وهذا الأمر خطأ كبير.
في ظل الظروف الراهنة، لا يجب أن يتوقف المسرح ولا المعارض ولا الموسيقى ولا الفعاليات الثقافية، إذ لا يمكن أن نتقبل جمود كل المظاهر الثقافية في البحرين بحجة الأزمة المالية، ولا يمكن أن يظل المسرح الوطني الكبير مغلقاً منذ أمدٍ بعيد وحتى إشعار آخر لذات السبب الاقتصادي، إضافة لغياب ربيع الثقافة وبقية الفعاليات الإبداعية الأخرى في هذا الوقت تحديداً.
إن موت الثقافة والفعاليات الثقافية في البحرين أو فلنقل انحسارها إلى أدنى مستوياتها، له من الآثار السلبية على حركة وعي المجتمع، فالناس التي لا تستمتع بالموسيقى والفنون والمحاضرات الثقافية والمعارض والفعاليات الأخرى، هي مجموعة من الجمادات، ولهذا فإن استمرارية حياة المجتمعات رهينة بإحياء روح الثقافة فيها.
هذا كله، إضافة للمردودات الاقتصادية الضخمة التي يمكن أن تنتجه الفعاليات الثقافية بطريقة إيجابية على خزانة الدولة، ولهذا فإن غياب هذه الفعاليات يعني غياب الكثير من المال وتضرر الاقتصاد وتشوه وعي المجتمع، ناهيك عن ضعف السياحة في حال لم تموِّل الحكومة فعاليات الثقافة. فالثقافة في عصر التنوير والانفتاح والمال، لم تعد من الكماليات كما يتصور ذلك البعض، بل هي رافد من روافد المعرفة والوعي والاقتصاد، فهل وصلت الرسالة؟