رغم أن جلسة مجلس الشورى الأخيرة انتهت إلى الموافقة على مرسوم رفع سقف الدين العام إلى 10 مليارات دينار بدلاً عن 7 مليارات، وذلك بأسلوب «الشر الذي لابد منه» حسب تعبير عضو الشورى خالد المسقطي نظراً للمبررات التي ساقتها وزارة المالية وبينت أنها الحل الوحيد في ظل الأوضاع الراهنة، إلا أن مداخلات الجلسة بحد ذاتها ينبغي التوقف عندها.
هناك أربعة أعضاء اعترضوا على المرسوم، وقدموا بشأنه وبشأن الوضع المالي للبلد تشخصياً يمس الواقع، ولعل العضو جمال فخرو كان صاحب الكلام الأشد وقعاً في نفوس الناس، والذي بسببه تلقينا أمس عدة اتصالات من مواطنين يسألون عن إمكانية تحقق ما قاله فخرو من أننا عوضاً عن الوصول لنقطة التعادل فإننا قد نجد صعوبة في تغطية مبالغ رواتب الناس.
وزير المالية من جانبه أكد بأن الوضع المالي للبحرين رغم صعوبته إلا أنه لا يعني الوصول لمرحلة الإفلاس، وفي هذا التصريح طمأنة للناس، كنا نطلبها ونؤكد على ضرورتها، فالحراك الاقتصادي والحسبات المالية المعقدة قد تصعب على المواطن البسيط غير العارف بتعقيدات هذه العمليات، لكنه يعرف حقيقة واحدة بأن وضعه لا يجب أن يتضرر.
هذا الأمر أكد عليه وزير المالية مشكوراً حين قال إن المواطن لا يجب أن يتضرر، ويجب العمل على حمايته، وبالتالي هذا التصريح يحمل واضعي السياسة المالية والاقتصادية في البحرين مسؤولية كبيرة في ظل التحديات التي نواجهها مع التوقعات المقلقة باستمرار انخفاض سعر النفط.
أعود لمداخلات الشورى في الجلسة المعنية لأقول إننا شهدنا نماذج إيجابية من مداخلات لأعضاء المجلس تكشف وعياً وفكراً متقدماً وتشخصياً بعضه واقعي ومتخصص من قبل أناس لهم معرفة بالشؤون المالية، وهو ما يجعلنا نقول إن لوم البرلمان بشقيه على تمرير المرسوم أمر صعب، نظراً لما قدموه من تشخيص، يكشف بالفعل أننا أمام وضع صعب ينبغي معه بحث «الطرق للتعامل مع الواقع الذي نعيشه»، والجملة الأخيرة قالها المسقطي بالنص.
ما قاله العضو أحمد بهزاد أيضاً مهم، حينما أشار للتوصيات التي تخرج بها اللجنة المالية، وأنها لن تساعد على حل المشكلة التي تمضي بازدياد. الأمر الذي يعني أننا نحتاج لتوصيات يمكن تفعيلها وتطبيقها واقعاً وليست مبررات كلامية لتهدئة قلق الناس أو احتواء ردات الفعل، وهو أكد عليه العضو منصور سرحان أن إجراءات وزارة المالية يجب أن تنتهي بالتنفيذ حتى لا تبقى في خانة التمني.
هنا نوضح توثيقاً للتاريخ، بأننا ندرك وجود مشكلة، وهي تتعلق بالملف الاقتصادي والاستثماري للمملكة، وأن هناك خللاً في التوازن بين المصروفات والإيرادات، وأن للمشكلة بالقطع أسباباً، وأحدها طريقة إدارة الملفات الاقتصادية، وهو عنوان يمكننا من خلاله أن ندخل في مناقشات طويلة لا تنتهي مع الجهات التنفيذية، لكننا رغم ذلك لن نكون قد وصلنا لحلول متفق عليها، ولا أسسنا لتحرك للتعامل مع الوضع، إذ الوقت سيضيع في تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات.
وعليه نقول، إن كانت من أخطاء فيجب تلافيها مستقبلاً، ولابد من استيعاب الدروس الماضية ونحن نضع خطة المواجهة للوضع الحالي وما قد يأتي مستقبلاً، وهنا حين نتحدث عن الدين فإننا سنقول بالفعل مثلما قال وزير المالية إننا «لا نريد ديناً عاماً»، لكن هذا يعني المطالبة بخطة سليمة محكمة للتعامل مع الوضع، تعلن على الناس، وتنشر بتفاصيلها، وأهم مسجاتها ورسائلها تلك التي تقول للناس إنكم محميون وأوضاعكم لن تتضرر ورواتبكم لن تتوقف.
رددت على مواطن يسأل عن النقطة الأخيرة بقولي إن الوصول لمرحلة يصعب فيها صرف الرواتب يعني انهياراً للنظام المالي لأي دولة، وهو الأمر الذي يستبعد بل يستحيل حصوله في البحرين بإذن الله، إذ كل السيناريوهات محسوبة وتدركها الدولة على أعلى مستوياتها، لكن التعامل مع الأوضاع المتأزمة لابد وأن يسوده القلق الذي يفرز بعض هذه التخوفات.
سأقتبس من كلام وزير المالية الجملة التالية التي تقول: «إننا أمام عجز يجب ألا يتأثر به المواطن، اقتصاد البحرين قوي، ونتوقع نمو الناتج المحلي أكثر من 3% مع زيادة في الرواتب وانخفاض للبطالة.. إلخ».
وعليه نؤكد بأننا بالفعل أمام تحد، الدولة مسؤولة ونثق بأنها قادرة على تخطي المرحلة الصعبة، وزير المالية رغم الانتقادات المهنية والاختلاف المباح في وجهات النظر، إلا أننا نتمنى له التوفيق في رسم سياسة تتعامل بحصافة مع الوضع وتحقق كلامه الذي أراد به طمأنة الناس، دون نسيان عقليات كشفت عن كونها جهة مساعدة لوضع الحلول سواء في الشورى والنواب.
الأهم لدى كل هذه الأطراف يتمثل بالمواطن، أن نعمل لأجله، وأن نتخطى هذا التحدي الأصعب في تاريخ البحرين على الصعيد المالي.