خبر صدور حكم بالسجن على عبد الرؤوف الشايب في بريطانيا لم يكن مثيراً، فهو في النهاية خبر عادي، حيث الحكم بالسجن على أي فرد يشتغل سياسة أو دخيل عليها وارد في كل الأحوال، وهو وارد مع ارتكاب أي فرد لأي جريمة، وفي حال الشايب كان متوقعاً وبالتالي لم يكن مثيراً. المثير في الخبر كان العنوان الذي اختارته إحدى المواقع الإلكترونية له حيث كتبت «محكمة بريطانية تقضي بسجن عبدالرؤوف الشايب 5 سنوات.. رغم نفيه التهم الموجهة له»، وكأنه كان على المحكمة ألا تقضي بهذا الحكم طالما أنه نفى التهمة عن نفسه!
من الطبيعي أن ينفي المتهم التهمة عن نفسه خصوصاً وإن كانت بحجم هذه التي وجهت للشايب وتوفر عليها الأدلة التي أقنعت المحكمة بأنه متورط وبالتالي يستحق الحكم عليه بالسجن خمس سنوات، فلا يوجد متهم يقر بارتكابه الجريمة إلا في حالات قليلة، تماماً مثلما أنه لا توجد محكمة تبرئ المتهم لمجرد أنه نفى التهمة وقال إنه لم يرتكب الجريمة. لو كان هذا وارداً لما أدين أي مجرم ولما تم سجنه حيث يكفي أن ينفي التهمة ليحصل على صك البراءة.
العنوان المذكور يفهم منه أن من صاغه ويقف وراءه يعتبر كل ما يقوله المتهم هنا صدقاً، ويريد أن يوصل رسالة مفادها أن هذا المتهم بشكل خاص لا يعرف الكذب وأنه لو كان قد ارتكب الجرم فعلاً لقال ببساطة إنه ارتكبه! هذا تسطيح للأمور واستهزاء بالقارئ والمتلقي ينبغي رفضه، فالمتهم هنا مثله مثل أي متهم في كل مكان في العالم من الطبيعي أن ينفي التهمة عن نفسه، والمحكمة مثلها مثل أي محكمة في العالم لا يمكن أن تحكم للمتهم وتبرئه لمجرد أنه نفى التهمة وأنكرها. من هنا فإن القول إن المحكمة حكمت على الشايب «رغم نفيه التهم الموجهة إليه» قول يفترض أن العالم ساذج إلى الحد الذي يمكن أن يقبل فيه هذا المنطق.
لكن هذا النوع من التفكير ليس غريباً على ذلك البعض الذي يعتبر نفسه «معارضة»، فمثل هذا القول قوله إنه تم الحكم على سين أو صاد بالسجن «رغم أنه نال جوائز عالمية في هذا المجال أو ذاك»، أو «رغم أن الدولة سبق وأن كرمته»، وهذه العبارات تكررت كثيراً في السنوات الخمس الأخيرة ويستنتج منها أن قائليها يعتقدون أنه طالما أن هذا السين أو الصاد قد حصل على جائزة ما أو تميز بمهاراته في لعبة رياضية أو تفوق في مجال معين أو تم تكريمه لسبب أو لآخر فإن الحكم بسجنه خطأ ما كان ينبغي من القضاة أن يرتكبوه! فمثل هؤلاء الأشخاص من حقهم أن يفعلوا كل ما يريدون وليس من حق السلطة أن تحاسبهم!
هذا المستوى من التفكير الذي يرى أصحابه أن المتهم يعتبر بريئاً طالما أنه نفى التهمة الموجهة له، وأن من يحصل على جائزة أو يتميز في مجال معين ينبغي ألا يحكم عليه بالسجن، وإن ارتكب جرماً، هذا المستوى من التفكير يوفر مثالاً على مستوى «المعارضة»، وخطأ دخول المنتمين إليها في مساحة العمل السياسي، وهو مثال ينبغي أن يلفت انتباه البعض المتعاطف مع هؤلاء، فمن يكون هكذا مستوى تفكيره وقناعاته لا يستحق حتى التعاطف معه.
وجود سين أو صاد في بريطانيا أو في أي دولة غربية وحصوله على اللجوء السياسي أو جواز السفر الخاص بتلك الدولة لا يعني أنه صار خارج مساحة ارتكاب الأخطاء أو غير قابل لإصدار الأحكام ضده، أو أنه يعتبر بريئاً طالما أنه نفى التهم الموجهة إليه.