بعد جلسة مجلس الشورى الأخيرة وبعد المداخلات النوعية التي تقدم بها أعضاء المجلس المعين بشهادة العديد من الإعلاميين بما فيهم كتاب الوسط، نتحسر الآن على قرار اتخذناه «مجاملة» وعلى غير اقتناع والذي قادنا إلى نزع صلاحيات رقابية محدودة كانت في يد الشوريين وهي حق توجيه السؤال.
رغم تخصصاتهم وخبرتهم ورغم كون الأداة التي كانت في يدهم هي السؤال فقط، ولا يترتب عليه أية تبعات رقابية أخرى، إلا أننا نزعناه منهم، كان السؤال المقدم من الشوريين يمنح -للمجتمع- لا للشوريين فرصة معرفة العديد من الإجابات على أسئلة نوعية ومتخصصة، وهذا هو المهم.. المهم أن يستفيد المجتمع إنما من كان ينظر للمصلحة العامة؟ انقسمنا إلى منظر مزايد يريدنا أن نحرق المراحل وإلى مجامل له.
فبفضل تلك الأداة اليتيمة التي كانت في أيدي الشوريين تحسن أداء العديد من الوزراء وتحسن حتى الأداء التشريعي، لأنها كانت أسئلة نوعية، منتقاة من أشخاص لهم باع وخبرة في مجالاتهم، هكذا استفاد قانون الصحة وقانون الصحافة وقانون الميزانية والحساب الختامي في الفصول التشريعية السابقة من أداء مجلس الشورى، ومع ذلك «مجاملة» لمن -صدقنا أنهم معارضة- قبلنا ورضوخاً لرغبتهم أن تنزع هذه الأداة عن الشوريين، هذا الحق الرقابي اليتيم منعناه عنهم حين أصرت مجموعة أطلقت على نفسها لقب «معارضة» على ذلك إبان حوارات التوافق الوطني، وإثباتاً لحسن النية لهم ولتطمينهم أن المقصود لم يكن انتقاصاً من الإرادة الشعبية إنما إعطاء فرصة لذوي الخبرة أن يساهموا في رسم السياسات العامة للدولة، ودون اقتناع ورضوخاً لضغوط دولية -لا يهم أياً كان السبب- قمنا بما لم نكن مقتنعين به.
كمجتمع نحن الأحوج لذوي الاختصاص، ولا عيب أن نقر بأنها لا تتوفر بسهولة وأنها عملة نادرة في السوق الانتخابي، وعادة ما نحصل على مجلس منتخب خال من أهل الاختصاص في القطاعات الاقتصادية والمالية، رغم أنها الأهم وبها ومن خلال تمثيلهم في السلطة التشريعية تحدد السياسات الاقتصادية والمالية بإسهامهم في الرقابة والتشريع، وعلى أثر هاتين السياستين تنمو الدول وتتحقق المطالب المعيشية، وها نحن اليوم نترك تلك السياسة الاقتصادية والمالية حرة طليقة في يد السلطة التنفيذية وحدها ودون أدوات رقابية عليها من قبل ذوي الاختصاص، ومن بيدهم تلك الأدوات لا يعرفون كيفية استخدامها، وليعذرنا النواب رفعوا عقالهم أم لم يرفعوه فالحق أحق أن يتبع وبالشعبي نقولها لكم «كلمة تستحي منها.. بدها»!!
أعضاء مجلس النواب يعانون نقصاً فادحاً في الاختصاصات ويكابرون، ولم نجد إلى الآن جرأة وقوة في استخدام أدواتكم إلا على بعضكم بعضاً، أما السلطة التنفيذية فتعيش ربيعها معكم.
الآن عاد الناس يتحسرون إلى سحب اختصاص السؤال من الشورى بسبب قلة استخدامكم أنتم لأدواتكم الرقابية، فلا تلوموا من ينتقدكم بل حاسبوا أنفسكم.
ولم يكن القرار الوحيد المجامل الذي اتخذناه مجاملة، بل استسلمنا لهم في السير في اتجاهات وتجاهل اتجاهات أهم، أشغلونا عما هو مفيد بسفسطات لم تكن تهدف إلا للتقسيمات الطائفية وإحصاء الأعداد، كان أجدى بحوارات التوافق الوطني أن تقر أن الإرادة الشعبية ممكنة وجائزة التحقيق حين يمنح ذوو الاختصاص صلاحيات في الرقابة على «السياسة الاقتصادية» كما هي على السياسة المالية بحيث تكون الجهة التي تضع السياسة الاقتصادية داخل الحكومة وخاضعة للمساءلة، وأن يكون لجهة التعيين التشريعية دور في الرقابة الاقتصادية والمالية، وليس كما هو الحال الآن من يضع السياسة الاقتصادية مجلس لا يخضع للمساءلة، والسلطة المعينة مجردة من الاختصاصات الرقابية عليها، والسلطة المنتخبة عاجزة عن استخدام أدواتها.
لم نعبأ بهذه الأمور الحيوية فقد كنا مشغولين بحكومة منتخبة أو معينة، وكأن المنتخب سيكون أفضل من المعين، واعتقدنا أنه مادام منتخباً فهو قادر على مقارعة الحجة والمنطق الاقتصادي والمالي، انشغلنا بالأشخاص ولم ننشغل بالنظام وهذه كانت مجاملة.
وها نحن اليوم ندفع ثمن هذا التخبط وهذه الازدواجية وذلك النفاق وتلك المجاملة، حتى نادى البعض بهيئة مستقلة لإدارة الدين العام لأن الثقة في الحكومة الحالية مهزوزة وما ذلك إلا لأن النظام الاقتصادي الرقابي تحديداً غير منضبط وكنظام وكأشخاص قائمين عليه.
جرينا خلف التنظير وخلف المزايدين وخلف إرضاء المجتمع الدولي وخضعنا لكل من كان يضغط علينا من الخارج لإجراء «إصلاحات» حتى لو كنا لم نتهيأ بعد لهذه الأدوات.
كنا نخشى أن نقول هذه العبارة نخشى أن نقول إننا غير مستعدين وإن التدرج هو الحل الأمثل لنا، وخشينا أن نقر بهذا الواقع، كنا نخاف أن نتهم بأننا ضد «الإرادة» الشعبية وضد «الديمقراطية» وضد «مصلحة» الشعب، في حين كنا نقول هذه الحقيقة ونسمعها من الآخرين خلف الأبواب وهمساً، قتلتنا المجاملة وخلقت منا مجتمعاً منافقاً ينافق بعضه بعضاً، فلم تكن البحرين أولاً في قلوبنا كما كنا ندعي، إذ لو كانت البحرين فعلاً أولاً لما خشينا في الله لومة لائم ولقلنا ما نؤمن به حتى وإن كان ضد الطوفان وضد التيار، حتى لو خسرنا مقاعدنا «النجومية» لا يهم فالبحرين أولاً.
ها نحن أفسحنا المجال ليصعد لمناصبنا كل كذاب ومنافق ومتسلق ومجامل يضع نفسه أولاً وما يطلبه «المشاهدون» حتى لو كان على غير قناعة، ونحن نتفرج ونتحسر على مكتسبات أضعناها مجاملة ونفاقاً!