في ذكرى المولد النبوي الشريف، نستحضر كل المعاني السامية التي جاء من أجلها رسولنا الكريم، ومن أجلها نزل الوحي وتسربلت المفاهيم والتشريعات الإسلامية بنسيج الإنسانية والقيم النبيلة، ففي ذكرى المولد الشريف، نستلهم العديد من الدروس والعبر، بعيداً عن كل التشنجات والاختلافات والخلافات الدينية والسياسية في واقعنا المعاصر.
لم تنته جدلية الطوائف المسيحية قبل قرون من اليوم إلا بحمامات الدم، ولم تهدأ أوروبا إلا حين اقتنع المسيحيون بكافة مشاربهم أن الاقتتال في سبيل إحقاق فكرة ضد أخرى أو فرقة دون سواها لم تنتج سوى المزيد من القتل والتخلف والدمار وضياع الحقيقة، ولهذا اتفقوا على أن يظل «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، ومن هنا انبثقت فكرة التنوير عند الغرب، لأنهم توصلوا إلى صيغة تحقن دماءهم وتحفظ أوطانهم، والأهم من كل ذلك، تُبقي الإنسان خارج منطقة الصراع والفناء. نحن أولى من الغرب في أن نظل في حظيرة التوحيد دون تجريح أو قذف أو قتل أو صراعات عبثية لا طائل منها، حيث إن المعطيات تشير إلى أننا أكثر قدرة على أن نتكيف من خلال إمكاناتنا وقدراتنا الفكرية والتاريخية والعقائدية من غيرنا، فإلهنا واحد ونبينا واحد ودستورنا واحد، ومع كل هذه الصِّيغ المتقارِبة في فهم رسالة التوحيد، إلا أننا أبعد ما نكون عن الوحدة الإسلامية وحتى عن التوحيد. نحن ندرك جيداً مقدار العبث الذي تسببت به المخابرات العالمية في نشوب الصراع الإسلامي الإسلامي، كذلك نعلم حجم الضرر الذي خلفته القوى السياسية الإسلاموية في تحطيم كل أركان الوحدة بين المسلمين تحت شعارات خدَّاعة، إضافة لعوامل مختلفة أدت إلى إضعاف العالم الإسلامي بطريقة مزقت من لحمته وفكره ومستقبله بطريقة لا يمكن في الوقت الراهن أن يسترجع بريقه أو قوته التي ربما لو تم استردادها لكنَّا خير أمة أخرجت للناس.
في ذكرى مولد نبي الرحمة، نستطيع أن نعمل على أن يتقارب كل المسلمين في مواقفهم وتطلعاتهم مع حقهم في الاختلاف حول بعض التفاصيل، دون تكفير أو تقتيل أو إيذاء من أي طرف كان، كما يجب علينا أن نتعلم من سيرة المصطفى كل عناوين الشرف والإنسانية وحب الخير والتسامي والدعوة للسلام، وأن نتخلَّق بأخلاقه وقيمه وتضحياته في سبيل الإنسان، فما يحدث للمسلمين اليوم من تشرذم وضياع هو بسبب ابتعادهم عن نهج نبيهم الإنسان، واستغراقهم في صراعات سفسطائية عقيمة ومريضة وقاتلة، كلفتهم من قبل ملايين الضحايا، واليوم ستكلفهم «وجودهم» كلهُ لو لم يصحوا من سباتهم، فليس هنالك من محطة أنقى وأنصع للتأمل من محطة المولد النبوي الشريف، فهي من المحطات التي لا تأتي في العام إلا مرة واحدة، ولهذا وجب أن نراجع ممارساتنا وسلوكياتنا بصورة عامة للبقاء داخل هذا العالم الذي لا يعترف بالمهزومين والضعفاء والمشتتة قلوبهم.