لا أريد نائباً يمثلني يقتصر عمله على الكلام والظهور في الجرائد أو إقامة فعاليات هنا وهناك، بل أريد نائباً ملتزماً بعمله، وفياً بوعوده، وحريصاً على تنفيذ شعاراته التي أطلقها في حملته الانتخابية.
أقول ذلك وكلي استغراب من مرور جلسات نيابية دون اكتمال النصاب، ولكم فيما حصل في الجلسة الأخيرة خير مثال.
حينما وصل الحديث عن مناقشة وضع الأمطار وسبل التعامل معها حتى نتجنب حالات «يتبهدل» فيها الناس، اتضح بأن النواب حاضري الجلسة 16 نائباً فقط. أين ذهب بالتالي 24 نائباً؟!
هذا المشهد يدفعنا للقول بافتراض عدم وجود جدية لدى بعض النواب، إذ لا يعقل أن تشهد الجلسة الأسبوعية التي تعقد مرة واحدة هذا العدد المنقوص من الحاضرين.
كمواطن لن أقيم للتبريرات وزناً هنا، فبالنسبة لي الجلسة هي محور أعمال النائب الأسبوعية، وهي تنقل مباشرة عبر الإذاعة ويمكن متابعتها لحاضريها، وعليه فإنه حين تتأجل المناقشات لسبب التغيب وعدم اكتمال النصاب سنلوم النواب وليس أحداً غيرهم.
أدرك أن البعض سيسوق الأعذار، وأن هناك ما طرأ لعدم حضور الجلسة أو الخروج منها، لكن بالنسبة لي كمواطن هذا يعتبر «تقصيراً»، وفي جانب آخر «خسارة» زمنية لعمر المجلس، المفترض أن يستغل كل فرصة لمناقشة الأمور الهامة المعنية بشؤون الوطن والمواطن.
حينما تتكرر مثل هذه الحالات، يصعب في المقابل تقبل انتقادات يوجهها النواب لممثلي الحكومة، أو القول إن الحكومة لا تتعاون. إذ كم مرة تحصل أن يحضر الوزراء ولا يكتمل حضور النواب؟! وكم مرة تحصل أن يستعد الوزراء بملفاتهم لمناقشة مواضيع معينة يقدم فيها النواب أسئلة أو يطلبون فيها ردوداً، ويطلب حينها النواب التأجيل.
يا جماعة الخير، أي تأخير في العمل ضرره يقع على المواطن والوطن، وهنا لا نبالغ، لكن بالنظر لحجم المشاريع وعدد الاقتراحات، يصعب التفكير بأن كل هذه الأمور ستتم تغطيتها لو حتى جعلنا للنواب جلستين في الأسبوع، أو كثفنا اجتماعات اللجان، ومع ذلك مازال بعض النواب «تتفتق» قريحته عن مزيد من الرغبات والطلبات والاقتراحات.
نقول ذلك لا استهدافاً لكم، لكن رغبة منا في تكريس مبدأ «الجدية» في العمل، إذ مثلما نطالب وزراء الدولة بأن يكونوا جادين في تعاملهم مع السلطة التشريعية، وجادين في عملهم وتنفيذ مشاريعهم، وجادين في خدمة المواطن، على النواب أيضاً أن يقدموا لنا أمثلة في الجدية، وبعضهم يفعل ذلك ولهم منا الشكر، لكن الحالات التي تبين العكس لها وقع مؤسف على المواطن، وتجعله يكون فكرة سلبية عن المجلس، وبالتالي نرى بشكل مستمر تكراراً لمقولة أن أداء المجلس غير مرض.
الغيابات المتكررة لبعض الأعضاء أمامها علامات استفهام. الخروج من الجلسات أيضاً يستوجب المحاسبة، وهنا ندرك بأن هناك آليات للتعامل مع تسيب بعض النواب، وهذا أمر جيد. لكن بالنسبة للجلسات لابد وأن تضبط العملية بحيث يكون تواجد النائب فيها لازماً ولا يقبل خروجه إلا لظرف قاهر جداً، فالجلسات ليست ملك النواب مع شديد الاحترام لهم، لكنها ملك للوطن والناس، كثرة تأجيل المواضيع وكأنها إدارة للعجلة إلى الخلف بدل التقدم للأمام، إضافة لإضاعة وقت الوزراء بدلاً من تركيزهم في إصلاح قطاعاتهم ومتابعة العمل.
هذا التسيب من البعض، هو الذي يمنح المسؤول مساحة للمناورة، وهو الذي يجعل بعض المسؤولين يتأخرون في تجاوبهم مع النواب، أو الأخطر من ذلك، يدفعهم للتعامل بشكل متهاون مع المواضيع.
حتى نطالب الآخرين باحترامنا، واحترام عملنا والالتزام بأدوارهم، علينا من جانبنا أولا أن نلتزم بعملنا وبأدوارنا، علينا أن نقدم نحن النموذج الأمثل لهم، حتى إن جئنا بعدها لنحاسبهم نسائلهم ونؤكد على عدم تساعدهم وتجاوبهم، لا يرد علينا بكل بساطة بأن «من كان بيته من زجاج، لا يرمي الناس بالطوب».
الجدية أهم عوامل النجاح، هي التي تحول الكلام إلى أفعال وإجراءات، لكن إن كانت مقتصرة على التصريحات الإعلامية، فإننا نعاني من «شيزوفرينا» خطيرة.
الإخوة النواب، لا تأخذوا الموضوع بحساسية، إذ مثلما نؤكد على حقكم الأصيل في محاسبة الحكومة ومراقبة أداء الوزراء ومحاسبتهم، فإننا كمراقبين ومواطنين لنا الحق مثله فيما يتعلق بكم، نحن من صوتنا لكم ومنحناكم الثقة، وأي تقصير من جانبكم لا يعتبر تقصيراً شخصياً فقط، بل هو تقصير في حق الناس الذين يريدون لكم تحقيق الإنجازات لأنها ستخدم المواطن أولاً وأخيراً.