لن يطول الوقت حتى ينتهي أمر من اعتبروا أنفسهم «معارضة» ويتم إخراجهم من المساحة التي أدخلوا فيها أنفسهم عنوة، فالضربات المتوالية والموجعة التي تلقوها خلال الفترة الماضية وآخرها الحكم غير القابل للاستئناف الذي صدر بحق «القيادي الأول» في حركة «شباب فبراير» في بريطانيا تكفي ليعيدوا حساباتهم ويرفعوا الراية البيضاء. ليس هذا فقط وإنما من يتابع ما تبثه الفضائيات «السوسة» الداعمة لهم طوال الفترة الماضية يلاحظ أن «زبائنها» قلوا بعد أن ملوا من سماع الكلام المكرر وغير النافع من أولئك الذين تستضيفهم يومياً، بل إن المشاركين في هذه البرامج قلوا أيضاً وصارت الاستضافة حكراً على مجموعة محدودة لا وزن لكلامها ولا قيمة بسبب التكرار وغياب المنطق والمبالغة المفضوحة في تصوير الأمور والتهويل.
هذه النتيجة كانت متوقعة، فبحسبة بسيطة كان يمكن لأولئك أن يدركوا أن الأمور لا يمكن أن تسير لصالحهم أبداً، وأن من «زهزه» لهم لا يمتلك القدرة على المواصلة في هذا الطريق لأن بيته من زجاج وهو ينظر إلى مصلحته وليس إلى مصلحتهم، وبحسبة بسيطة أيضاً كان يمكنهم أن يعرفوا أن الرهان على التغيير في المنطقة لا يمكن أن يصب في صالحهم أياً كان ذلك التغيير. ما فعله أولئك كان قفزة في الهواء أدت إلى تضرر شعب بأكمله وإيداع الحزن والألم في كثير من البيوت.
من أمثلة المنطق الهزيل الذي يستند إليه أولئك قولهم إن الحكومة تريد أن تحجم «المعارضة» وتضعفها تمهيداً لسحقها وإن النظام يفعل كل هذا ليحمي نفسه. وصف هذا بأنه منطق هزيل سببه أن هذا الكلام صحيح مائة في المائة، ذلك أن من الطبيعي أن الحكومة – وأي حكومة في العالم – ستعمل في ظرف كهذا على إضعاف «المعارضة» أو من يعتبر نفسه يعمل تحت هذه المظلة، وأن من الطبيعي أيضاً أن النظام – وأي نظام في العالم – سيعمل على حماية نفسه طالما أن «المعارضة» أو من اعتبر نفسه شاغلاً لمساحتها رفع شعار إسقاط النظام. عندما تقول لي «ارحل» فمن الطبيعي أن أعمل على حماية نفسي وأجعلك أنت الذي ترحل وليس أنا. هذا هو المنطق وليس ذاك الذي يقولونه.
الخطأ الذي وقع فيه أولئك الذين يستعدون حالياً لرفع الراية البيضاء هو أنهم «كبّروا الحجر» فصاروا غير قادرين على رفعه وصاروا يدركون أنهم لو رفعوه سيسقط عليهم. هذا باختصار ما حدث، يضاف إليه أنهم لم يحسنوا اختيار قادتهم فسلموا الخيط والمخيط لمن هو دخيل على العمل السياسي، وهذا وذاك هو ما عجل بنهاية حركتهم.
تطور الأحداث أوضح أن أولئك كانوا يفترضون أن الآخر الذي يحاربونه لن يحرك ساكناً وأنه سيظل ينظر إليهم فاغراً فاه دهشاً وأنه سرعان ما سيضعف ويزول ولن يتحرك أحد لمساعدته وإنقاذه. للأسف فإن هذا كان مستوى تفكيرهم ولهذا كان من الطبيعي أن يفشلوا وينتهي أمرهم، فليس معقولاً أبداً أن ينادوا بإسقاط النظام ويظل النظام ساكناً يتفرج وينتظر إسقاطه، وليس معقولاً أن تتركهم الحكومة يفعلوا ما يشاؤون وتنتظر ساعة الرحيل.
المؤسف أن أولئك تمكنوا من إيهام البعض بأنهم قادرون على تحقيق مرادهم فانخدعوا بهم وبشعاراتهم ولم ينتبهوا إلا بعد أن مسهم السوء وتضرروا وتضرر معهم آخرون لا علاقة لهم بما جرى بل كانوا يرفضونه ويرفضون أولئك ناقصي المنطق فقيري الرؤية.
ومع هذا لايزال هناك متسع من الوقت لإصلاح ما انكسر خصوصاً وأن القيادة الرشيدة مستمرة في نظرتها المتزنة إلى الأمور وتمتلك القدرة على الصفح، فهل يستغل أولئك الفرصة ليشاركوا في عودة الأمور إلى نصابها؟