وافق البرلمان البحريني بشقيه «الشورى والنواب» على طلب وزارة المالية بتمرير مرسوم رفع سقف الاقتراض ليصل إلى حاجز العشرة مليارات دينار كدين عام.
هذه الموافقة جاءت بعد شهور من السجال، وبعد إدلاء العديد من المعنيين بدلوهم، وكتبت الصحافة، وعبر الناس عن رأيهم، وكان ختامها بمداخلات كثير منها قيم من أعضاء مجلس الشورى، وفي الأخير تمت الموافقة.
الآن لابد أن ننتبه لمسألة مهمة، تتمثل بأنه مع تمرير رفع سقف الاقتراض فإن المسألة لا يمكن التعامل معها مثل السابق، وهنا نعني من جانب المراقبة والمتابعة.
وزير المالية بين بشكل صريح مدى التأثر بسبب هبوط أسعار النفط، وكيف هو حال الوضع الاقتصادي للبلد، ووصلت التوضيحات لتجر معها تصريحات أقلقت الناس بشأن رواتبهم مثلما بين بعض أعضاء السلطة التشريعية، مع تطمينات من وزارة المالية عبر الوزير بأن المواطن لن تقبل الحكومة له التضرر.
هناك مخاوف وهناك تطمينات، ونحن نريد التأكيد على تطمين المواطن، وأن هذه المسألة تمثل أولوية، لكن التطمين سيكون مرهوناً بالتعامل مع الوضع الاقتصادي من قبل المسؤولين عنه.
رفع السقف كان يعني عدم تعريض الدولة ومشاريعها ومصلحة الناس للتعطيل، وأنه أمر لابد منه. وعليه فإن المتوقع الآن البدء بالتعامل مع الوضع الاقتصادي بصورة مغايرة تضمن تنفيذ الاستراتيجية الموضوعة بطريقة تحقق أهدافها. رغم أننا مازلنا نطلب إطلاع الجميع على الخطوات القادمة بتفاصيلها وخطوطها الصغيرة والكبيرة.
لذلك نقول إن المسألة لا تنتهي عند إقرار رفع السقف، بل هي تبدأ معه. تبدأ معه عن طريق تجنب التعامل مع الوضع بنفس الآليات السابقة التي دفعتنا لطلب المزيد من الاقتراض، إذ في النهاية نحن لا ننشد حلولاً وقتية أو قصيرة المدى للتعامل مع الواقع الآني، بل نريد حلولاً جذرية تنهي المشكلة أو تسهم في تقليلها بصورة مؤثرة ملموسة، وذلك تمهيداً لإنهائها. وفي الشأن الأخير لابد وأن نسترجع ما جاء في برنامج عمل الحكومة من حديث عن العمل على إنهاء الدين العام ولو بصورة تدريجية.
وعليه فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع، وليست مقتصرة على وزارة المالية أو مجلس التنمية الاقتصادية باعتبار أنهما المعنيان بالملف الاقتصادي للدولة، بل كل طرف عليه دور مهم يلعبه حتى نضمن عدم تكرار السيناريو السابق.
كما نكرر دائماً فإن البحث عن أصل المشكلة أمر إيجابي ومطلوب، كون الهدف منه التشخيص ومعرفة مكامن الخلل أو القصور، والمهم البناء عليها بحيث يتم تجنبها وتلافيها، وإبدالها بالممارسات الأصح والأفضل. إضافة إلى كون عملية تبادل إلقاء اللائمة في هذا الملف وفي هذا الوقت تحديداً، ستصبح كما المراوحة في المكان نفسه، إذ كل طرف سيسعى لإثبات صحة مواقفه ونجاعة تقديراته، وهذا ما سيعطل سير الأمور بالضرورة.
كما قلنا، معرفة الأخطاء أو السياسات غير المجدية وتلافيها، هي أبرز المعالجات المطلوبة، مع التذكير ووضع ألف خط تحت مسألة «عدم التكرار».
لذا الرقابة والمساءلة والمتابعة الدائمة لهندسة العمليات المالية وتنفيذها والإجراءات المتخذة ستكون أمراً مطلوباً، من جانب الحكومة ومن جانب مجلس النواب دون نسيان الشورى. كذلك للصحافة دور في المتابعة، والمهم أيضاً إطلاع الناس أولاً بأول على التطورات والخطوات من باب المكاشفة والمصارحة، باعتبارنا جميعنا في مركب واحد، والوضع المالي والاقتصادي للدولة سيلقي بتأثيراته بالتأكيد على الجميع.
لذا نتمنى ألا يتكرر سيناريو عديد من الملفات، والتي تشهد سجالاً ومناقشات عديدة، وتشهد شداً وجذباً، وحين تقر، فإن متابعتها تنتهي وكأنها لم تحصل، والتساؤل عنها يغيب، وكأننا نلقي بحملها ومسؤوليتها على الجهة المعنية فقط، وبعدها إن سارت الأمور بطريقة لا ترضي الأطراف المعنية فإن اللوم يظهر، وهنا الخطأ، بالتالي لابد للمتابعة الدائمة أن تكون موجودة، وأن يكون العمل بطريقة «العمل معاً» لا العمل «ضد» بعضنا البعض.
الوضع الحالي لا يتحمل مهاترات، وعليه فإننا ورغم دقة الموقف وصعوبته، نتمنى للقائمين على الملف المالي والاقتصادي للبلد التوفيق والنجاح في التعامل مع الوضع، إذ نجاحهم سيكون إيجابياً للبلد بالتأكيد.
كان بودنا أن يكون كل الذي يحصل بمثابة «كابوس» ينتهي حين نصحو، لكن الرياح لا تجري كما تشتهي السفن، وفي المواقف الصعبة نحتاج لقرارات صعبة، لكن المهم أن يكون تنفيذها بالشكل الأمثل لتحقق أهدافها.