لو كان العالم بلا عقل لقال بسبب التصريحات التي يدلي بها ذلك البعض ضد البحرين وتبث عبر الفضائيات «السوسة» في كل ساعة إن الداخل إلى هذه البلاد مفقود والخارج منها مولود، فمن يسمع تلك التصريحات يعتقد أن الحياة في البحرين مستحيلة وأن الظلم يغطيها من أولها إلى آخرها وأن الإنسان لا يأمن على حياته فيها حتى نهاراً وأن المواطنين والمقيمين بسبب ذلك لا يخرجون من بيوتهم وأن الشوارع مليئة بالمظاهرات وأن دخان مسيلات الدموع يغطي كل البحرين ويغزو كل البيوت.
يتحدثون عن عمليات مداهمة يومية للبيوت تقوم بها وزارة الداخلية لتعتقل الأطفال، ويركزون كثيراً على كلمة الأطفال بغية كسب التعاطف، ويتحدثون عن حملة لا ترحم ضد طائفة بعينها وصلت حد اتهام القضاء بالانحياز، ويركزون كثيراً على كلمتي «طائفية» و«تمييز»، ويتحدثون عن فساد كبير وظلم كثير وعن ديون خطيرة وإفلاس متوقع، وعن كل ما يعتقدون أنه يمكن أن يسيء إلى سمعة الحكومة ويظهرها على أنها غير قادرة على إدارة البلاد.
فقط من يشكك في صحة ما يسمعه يتبين له -إن سعى للتحقق مما يسمع- أن الأمر كله مبالغات بل يعتمد عليها وينطلق منها وأن كثيراً من تلك التصريحات لا تتطابق مع الواقع، فالأطفال الذين يتحدثون عنهم مثلاً ليسوا أطفالاً ولكنهم شباب لو تم تزويجهم اليوم لصاروا آباء بعد تسعة أشهر على الأكثر. هم يعتبرون كل من لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، حتى لو كان الفارق يوماً واحداً بل ساعة واحدة، طفلاً يحق له أن يفعل ما يشاء وينبغي ألا يطبق عليه القانون، وهذا خطأ متعمد لأن من يتجاوز الخامسة عشر من العمر لا يعود من الناحية العملية طفلاً حتى إن بعض الدول بدأت تطبق الأحكام التي تطبقها على الكبار على من يصل إلى هذه السن، خصوصاً بعدما لاحظت أن البعض يستغل هذه السن لتجاوز القانون.
من يتابع تلك التصريحات يشعر أن خطة يتم تنفيذها بدقة متناهية غايتها الإساءة لسمعة البحرين وإظهار الحكومة في صورة وحش كاسر لا يعرف الرحمة ويكره المواطنين ويتمنى زوالهم في كل حين. هناك إذاً حملة شعواء لتشويه سمعة الحكم في البحرين أغراضها واضحة لكنها لا يمكن أن تنجح، لأن العالم عاقل ويرى ويستطيع أن يميز بين الصح والخطأ وبين الحقيقة والمبالغة في وصف الأحوال.
ما يقوم به ذلك البعض يقطع كل الخيوط مع الدولة ويجرح حتى المساحة المشتركة التي يمكن أن يستفاد منها ذات يوم في التوصل إلى حل، ويحرج الجمعيات السياسية، وهذا يؤكد أن موضوع إسقاط النظام ليس مجرد شعار يرفعونه ويرددونه في المظاهرات قليلة العدد ولكنه غاية يعملون باجتهاد لتحقيقها، فمن يعتقد أنه يمكن أن يجلس ذات يوم على طاولة واحدة مع ممثلين عن الحكومة لا يمكن -منطقاً- أن يفعل كل هذا ويقول كل ذاك، لأن من يفعل ويقول كل هذا وذاك لا يمكن للآخر أن يتقبله ويتفاعل معه ويصل معه إلى أي اتفاق.
قطع كل الخيوط مع الحكومة خطأ استراتيجي تقع فيه «المعارضة» المعني بها هنا الجمعيات السياسية، وسكوتها عن ذلك البعض المحرض على هذه الاستراتيجية خطأ استراتيجي آخر تتضرر منه هي قبل غيرها لأنها هي المعنية بالأمر وليس ذلك البعض الذي يتخبط ولا يدرك أبعاد ما يفعل وما يقول ودخيل على العمل السياسي.
مقابل كل تلك التصريحات الناقصة عن البحرين والحكومة لا يوجد ولا تصريح واحد من الجمعيات السياسية يشير إلى أنها تصريحات غير واقعية ومبالغ فيها وهذا خطأ استراتيجي ثالث تقع فيه هذه الجمعيات.