الجماعات التي حملت السلاح لإسقاط الدولة، منذ الخمسينات إلى اليوم يسارية كانت أم دينية وآخرها مجموعة الأربع والعشرين المتهمة بالانضمام لداعش، جميعها بلا استثناء عملت على إسقاط الدولة القائمة «كفكرة» عند مريديها قبل أن تدعوهم لحمل السلاح ضدها، لم تدع أي من تلك الجماعات لإصلاح الدولة، ولم تدع مريديها إلى الحفاظ على كيان «الدولة» في حراكهم ونشاطهم، لذلك لم يكن لدينا في يوم ما، ما يسمى بـ«المعارضة».
في البحرين وغير البحرين من الدول العربية كل الحركات التي سميت «بالنضالية» لم يكن بينها «مصلحين» بقدر ما كانوا «مسقطين»، فجميعها تهدف إلى تصفير الدولة الموجودة وإسقاطها بمؤسساتها بجيشها بسلطاتها قبل أن تهدف لإسقاط نظامها، ومن ثم تسعى لبناء غيرها.
جميع الدول العربية واجهت جماعات التصفير، حتى الجماعات «الخلاصية» التي تؤمن بظهور المخلص المنقذ وهو المهدي المنتظر السنية منها التي ظهرت في المملكة العربية السعودية كمجموعة جهيمان العتيبي التي احتلت الحرم المكي وبايعت محمد بن عبدالله القحطاني على أنه المهدي المنتظر عام 1979، أو الشيعية منها وآخرها جماعة الوفاء والخلاص ومن ساندها في البحرين، جميعهم سعوا لإسقاط الدولة القائمة ككيان وكفكرة عند مريديهم قبل أن يحرضوهم على حمل السلاح ضدها.
لو قرأتم أقوال المتهمين في خلية داعش البحرينية لما وجدتموها تختلف عن أقوال مجموعة جهيمان العتيبي (السلفية المحتسبة) وبين المجموعتين فارق زمني يمتد إلى 37 عاماً، ولما وجدتموها تختلف عن أقوال أي من الجماعات الشيعية التي دعت لإسقاط الدولة في البحرين منذ الثمانينات إلى 2011 فيما يتعلق بفكرة الدولة تحديداً!!!
فكلهم دون استثناء رفضوا كيان الدولة، ولكل أسبابه، وجميعهم رفضوا الإقرار بها أو الاعتراف بها كسلطة وإطار حاكم، لهذا تجدهم جميعهم يرفضون الوقوف للعلم الوطني ويرفضون الاحتفال باليوم الوطني ويرفضون احترام الأوراق الثبوتية كالجواز وغيرها ويرفضون العمل في المؤسسات الأمنية والعسكرية ولا يحترمون القضاء ويدعون للتمرد على القوانين، يقومون بهذا قبل أن يرفضوا النظام أو الحاكم، إنهم يرفضون الدولة قبل أن يرفضوا من يحكمها!
لا فرق بين داعش وبين من قال القانون تحت حذائي حين يتعلق الأمر بفكرة «الدولة» الاثنان يسعيان لإسقاط الدولة ومن ثم إقامة دولته على أنقاض الأولى.
الملفت للنظر أن الدولة طوال هذه الفترة الممتدة منذ استقلالها إلى الآن أي ما يقارب النصف قرن، لم يعنيها كثيراً تحصين فكرة الدولة والدفاع عن مشروعيتها في وعي الأجيال والمجتمع ككل، رغم أنها دائماً ما تطعن من هذا المدخل أي من مدخل المشروعية.
فلا تتحرك إلا في حال حملت أي من هذه الجماعات السلاح عليها، أما فترة تسقيطها وهي فترة التكوين والمكون والتأسيس فيقتصر جهد الدولة على العمل الاستخباراتي الذي ترصد به هذه الجماعات فقط ومنظريها، حتى لو استغرقت مرحلة التسقيط سنوات عشر فإن الدولة لا تتحرك، حتى لو كان موقع منظري هذه الجماعات خطراً وحساساً كإمامة المساجد أو التدريس (شهدنا مدارس كثيرة كان المدرس أو المدرسة (شيعة وسنة) فيها يرفضون تحية العلم ولم تحرك الدولة ساكناً)!
حتى الجماعات التي لا تحرض على الخروج عن طاعة ولي الأمر، تلتبس عليها فكرة «الدولة»، فهي مستعدة للخروج على كل ما يرمز للدولة عدا الخروج عن طاعة ولي الأمر!!
الدولة بمؤسساتها وسلطاتها لم تحدد بعد أطر الدفاع عن مشروعيتها ككيان، للتو نتدارك بعض القصور التشريعي لكننا لم نتدارس بالفعل كيف يمكن للدولة أن تحصن مشروعيتها من المساس؟ لم يسهل ضرب «فكرة الدولة» وإسقاطها وتصفيرها؟ لم لا نفرق بين النظام السياسي والدولة كمؤسسات وجيش وسلطات؟ ألا يفسر تقاعسنا هذا تكرار دورات العنف في كل مرة؟