إشادات عديدة تلقيناها يوم أمس بسبب ما نشرته صحيفتنا «الوطن» في عددها من رصد لأداء مجلس النواب الحالي، ومن أشاد بين بأنه من المهم جداً رصد أداء النواب وتقييم مستواهم من خلال عملهم في المجلس ومدى استخدامهم لصلاحياتهم وأدواتهم الدستورية.
هذا الكلام يدخل في إطار المتابعة الدائمة التي نؤكد عليها مراراً، سواء أكان لأداء نواب انتخبهم الشعب، أو وزراء عينتهم الحكومة وأوكلت لهم مسؤوليات هدفها خدمة الوطن والمواطن.
التقييم بالكلام سهل جداً، إذ يمكن وصف الأداء من خلال انطباعات عامة يصدرها الناس، مثل القول إن «أداء النواب ليس بالطموح المطلوب»، أو القول إن «المقترحات التي تقدم لا تعكس مطالب الناس»، لكن الأقوى من ذلك هو بناء عملية التقييم على وقائع وأرقام، فالأرقام لا تكذب، والرقم بحد ذاته مؤشر صريح وواضح.
هذا ما فعله الإخوة القائمون على الصفحات البرلمانية من خلال متابعتهم الدائمة واليومية للحراك البرلماني، والجيد أنهم وضعوا الأرقام المرصودة بشأن حراك كل نائب وفصلوها تحت بنود مختلفة كالأسئلة النيابية والمقترحات بأنواعها.
من تابع الأرقام التي نشرت أمس قد يكون بعضهم تفاجأ بأداء النائب الذي انتخبه، سواء أكانت المفاجأة معبرة عن صدمة من أداء مخيب للآمال، أو بالعكس صدمة باعتبار أن هناك حراكاً وأداء لكن تفاصيله لا تصل للناخب.
المصيبة بالنسبة لي كناخب أن أرى أرقام النائب الذي منحته صوتي وهي تشير لضعف أدائه أو وجوده داخل المجلس يكاد يكون مختفياً. تخيلوا أن هناك نائباً رصيده «صفر»، ما يعني أن حراكه مقصور على التصريحات في الصحافة، في المقابل نائب رصيده من العمل يكتسح زملاءه بالأرقام إلا أن معلومية الناس عن أدائه تكاد تكون غائبة، مثلاً النائب الذي حصد من خلال الرصد على أكثر الأرقام بشأن المقترحات والأسئلة وغيرها في مجموعها، هو أقل نائب نسمع له «ضجيجاً إعلامياً»، وهناك الفارق بين من يعمل بصمت، وبين من «يلعلع» ولا يعمل.
حتى النواب، بعضهم أصبح يخطئ نفس بعض المسؤولين والوزراء، عبر الظن بأن العمل الذي يفهمه الناس ويقدرونه يتمثل بكثرة الظهور في وسائل الإعلام، وهي معادلة معوقة تماماً بل تهدف لتضليل الناس بدل تنويرهم.
وعليه عمليات الرصد هذه مهمة، لأنها في مقام أول لا تهضم حق النائب، وتوصل المعلومة للناخبين ثانياً، إذ كم من نائب مجتهد لكنه يظلم من خلال جهل الناخب بعمله ونشاطه، والعكس صحيح، كم من نائب «كسول» بل «بخيل» في كلامه في الجلسات واللجان، لكنه عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يجعل الناس يظنونه بأنه النائب الذي لا ينام الليل من أجلهم.
المتابعة مطلوبة، والناس تقع على عاتقهم مسؤولية متابعة أداء من منحوه أصواتهم وأعطوه الثقة ليتحدث باسمهم وينقل همومهم ويعمل على تحقيق مطالبهم، وإن تخاذل الناخب في حقه هذا، بعدها لا يمكنه لوم النائب إن هو نسي ناخبيه.
المتابعة والرصد، وتسجيل النتائج وتقييم العمل بالأرقام والأهداف المحققة، كلها أدوات أساسية في عملية القياس، بالضبط مثل نتائج الطلبة في الدراسة، الرقم له قيمة هنا، هو يفصل بين المجتهد والمتخاذل، وهو يحدد الناجح في عمله ومن يفشل فيه.
أدرك أن بعض النواب قد يكون استاء مما نشرته «الوطن» يوم أمس، وتحديداً من أرقامهم متدنية، وتدل على «خمول» في العمل، وهو ما يمكننا وصفه بـ«الكسل»، وهو وصف من حقنا إطلاقه كون التخاذل النيابي من قبل بعض الأعضاء ضرره الأول والأخير على الوطن والمواطن وليس النائب. طبعاً النائب الذي «ينفر» الناس من حوله سيدفع ثمن أدائه في الانتخابات القادمة، حينما يصحو من سباته ويحاول أن يتقرب للناس مرة أخرى وكأنه يقول لهم «أعطوني فرصة ثانية ولن تندموا هذه المرة».
هذه الأرقام تعكس في جانب آخر مدى مصداقية من قدم للناس من شعارات انتخابية، تثبت واقعية الوعود، وهل أطلقت لدغدغة مشاعر الناس وكسب أصواتهم، أم أطلقت بإيمان وقناعة بأن تحقيقها والسعي لأجلها كان تنفيذاً لرغبة الناس.
من الأرقام التي نشرت أمس، ولو أضفنا لها المتابعة المستمرة لحراك النواب الاجتماعي في دوائرهم وحضورهم وأداءهم في الجلسات واجتماعات اللجان، يمكننا الخلوص لنتيجة مفادها بأن بعض النواب بالفعل يعمل قدر استطاعته ليحقق للناس ما وعدهم به، وبعضهم يسعى ويجتهد، والبعض الأخير لم ينجح في أعمال السنة ولا المنتصف، فحقق أرقاماً متدنية أو استحق الرسوب بجدارة.
مثلما وعدتم الناس في الانتخابات، من حق الناس والصحافة متابعتكم، وعليكم الاجتهاد وتحسين هذا الأداء، لا بهدف رفع الأرقام فقط، بل عبر تحويل نتاج الأرقام إلى واقع عملي يفيد من انتخبكم ويفيد البلد.