المتابعون لتطورات الأحداث في البلاد لا بد أنهم لاحظوا اهتمام جمعية «الوفاق» في الفترة الأخيرة إعطاء أمينها العام صفة «زعيم المعارضة» والترويج بحماس لهذا الأمر سواء في التغريدات التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو التصريحات للفضائيات على اختلافها وخصوصاً فضائية «العالم» الإيرانية، وهو أمر يدعو إلى التساؤل عن أسباب ذلك وعن سكوت الجمعيات السياسية «اليسارية» بشكل خاص عن هذا الأمر وما إذا كانت توافق على هذا التنصيب أو أنه تم بالاتفاق معها وبرضاها، وكذلك التساؤل عما إذا كانت «المعارضة» دينية وبالتحديد شيعية؟ ذلك أن إسباغ هذه الصفة على أمين عام جمعية «الوفاق» يعني حرف «المعارضة» وحصرها في مسار ديني بحت ولعله خطأ استراتيجي ترتكبه «المعارضة» المتمثلة في الجمعيات السياسية.
الأكيد هو أن هذه الصفة لم تعط لأمين عام «الوفاق» بطريقة ديمقراطية، فلم يسمع عن اجتماع «للمعارضة» تم خلاله انتخاب زعيم لها، ولم تتسرب أخبار عن عقد اجتماع تحت الأرض تم التوصل خلاله إلى هذا الاتفاق، ومع هذا لم يصدر أي تعليق من الجمعيات السياسية التي تمتلك تاريخا في النضال الوطني فبدت وكأنها موافقة على تنصيب رجل دين زعيماً للمعارضة، وإن كان يشغل منصب أمين عام جمعية سياسية.
وصف علي سلمان بأنه زعيم المعارضة يفرح الوفاقيين دونما شك وربما يفرحه، ولعله يفرح آخرين من المتعاطفين معهم أو حتى بعض الحركات التي تعتبر «إسلامية»، والدول الراعية لهذا التيار وخصوصاً إيران والعراق، لكنه قد يكون بالفعل خطأ استراتيجياً كونه يعطي «المعارضة» صفة محددة ويحصرها في جمعية «الوفاق» وتوجهاتها الدينية حتى وإن كان لفظ «الوطني» جزءاً من اسمها.
إطلاق صفة زعيم المعارضة على أمين عام جمعية سياسية دينية يخرج الجمعيات السياسية المعارضة الأخرى وخصوصا المحسوبة على اليسار من دائرة «المعارضة»، ذلك أنه من غير المنطقي أن يتبع يساريون رجل دين أو يقود رجل دين يساريين وإن كان الجميع يعمل تحت عنوان «المعارضة».
هذه إشكالية ينبغي مناقشتها من قبل الجمعيات السياسية وكل ذي علاقة، والمناقشة هنا ليست تقليلاً من شأن أحد، ولا حتى من شأن جميعة «الوفاق»، ولكن الموضوع يحتاج بالفعل للمناقشة خصوصاً أن من يعتبر نفسه معارضة في الخارج لا يعترف أساساً بجمعية «الوفاق» ويختلف معها كثيراً فكيف سيقبل بأن يتزعمه أمين عام «الوفاق»؟ وكذا الحال بالنسبة لجمعيات وحركات أخرى في الداخل.
جمعية «الوفاق» جمعية سياسية تدار من قبل رجال الدين أو على الأقل لا تستطيع أن تخالف رجال الدين أو تتخذ قراراً بمفردها بعيداً عنهم، فهم الذين يوجهونها وهم الذين يمكنهم إفشال أي قرار تتخذه إن لم يكونوا راضين عنه. من هنا فإن سكوت الجمعيات السياسية الأخرى وأي تنظيم يمكن إدراجه في خانة «المعارضة» عن إطلاق هذه الصفة على أمين عام «الوفاق» يضر «المعارضة» أكثر مما ينفعها، لأنه يجعلها أسيرة القرار الديني ويسهل من ثم فرصة التدخل فيه من الخارج أو على الأقل التشكيك في كل قرارات «المعارضة» وإن كانت سياسية.
إطلاق صفة «زعيم المعارضة» على أمين عام جمعية «الوفاق» يخرج كثيرين من دائرة «المعارضة» ويجعل الجميع يعتقد أنها صارت بشكل مباشر في يد عمائم إيران، فتتحول من معارضة وطنية إلى معارضة من نوع آخر تخدم أهدافا أخرى يفترض أنها لا ترضي «المعارضة».
التعاطف مع أمين عام «الوفاق» بسبب سجنه ينبغي ألا يؤثر على عمل «المعارضة» الحقيقية التي ترمي إلى الارتقاء بالإنسان البحريني وتنتصر له وتدافع عن حقوقه. من حق الجمعيات السياسية أن تتعاطف مع جمعية «الوفاق» لكن ليس من حقها أن تسبغ على أمينها العام صفة «زعيم المعارضة البحرينية».