استكمالاً لحديثنا يوم أمس بشأن أداء النواب خلال الفترة السابقة، وما يرتبط به من عملية رصد لحراكهم، والتي من خلالها اتضح بأن بعض النواب بالفعل في «سبات عميق»، وأن بعضهم يتحرك بسرعة أكبر من غيره، رغم أن المحصلة النهائية مازالت تفرز نفس النتيجة من استجلاب لاستياء الناس وحكمهم على النواب بأن أداءهم دون الطموح.
استكمالاً لذلك، نقول إن المهام الملقاة على عاتق النواب لا تقتصر فقط على المقترحات، وتحديداً ليست مقصورة ومتركزة على الاقتراحات برغبة، التي إن لم يتم التعاطي معها من قبل ممثلي الدولة، ولم يتابعها النواب أنفسهم، فإنها تظل حبراُ على ورق، وتسجل فقط على اعتبار أنها «مقترحات» لم تر النور، ولن تراه.
المهمة الأكبر بالنسبة للنواب معنية بالتشريع، وهنا المأمول من التشريعات هي تلك التي تنتهي بتحقيق أمور تخدم الناس والمجتمع، تلك التي تسهل العمليات، وتطور الخدمات، وتنهي أوضاعاً خاطئة.
التشريعات المطلوبة لابد وأن يكون لها ارتباط مباشرة بالناس ومطالبهم، لا تشريعات لأمور يراها المواطن على أنها كماليات أو أمور لا تمسه من قريب ولا بعيد.
ومع ذلك يظل الحديث الأهم عن «الأدوات الدستورية» التي يمتلكها النواب، والحديث هنا سيتجه عن الأداة الأخطر والأكبر تأثيراً، والتي تمنح النائب والمجلس قوة وصلاحية لا تضاهيها قوة، وهنا نتحدث عن آليات المساءلة التي تأتي على خلفية عمليات المراقبة والمتابعة.
كلنا يعرف أن مجلس النواب له حق أصيل في متابعة أداء الوزراء عبر قطاعاتهم الحكومية، فهم يملكون سلطة رقابية، تجعل النائب الشخص المعني بمساءلة هذا الوزير أو ذاك، بل تمنحه القوة للتحكم في مصير الوزير، لو أخل هذا الأخير بواجباته.
الملاحظ هنا أن هناك بالفعل «شحاً» في استخدام الأدوات الدستورية المعنية بالرقابة والمحاسبة، ولنوضح الصورة ونبسطها ونقول إن النواب في هذا الجانب يتحولون كمن يسير في طريق مستقيم يتجه نحو الهدف المنشود في النهاية، هم يمضون للسير حتى «ثلثي» الطريق، ثم يقفون، والمشكلة أن هذه الوقفة تطول، أو قد تنتهي إلى اختلاف دروب النواب، أو العودة على نفس الطريق دون تحقيق الهدف.
أدوات الرقابة والمساءلة تبدأ من طرح التساؤلات، وهذه الأداة تستخدم بكثرة من قبل نواب معنيين، بغض النظر عن بعض النواب الذين يبدو بأنهم «يستحون» من سؤال الوزراء وطرح التساؤلات العديدة بشأن الكثير من الأمور.
استخدام الأسئلة موجود، وهو أمر ملاحظ، رغم أن بعض التساؤلات متفاوتة في مستوى النجاعة والأهمية والتأثير من خلال إجاباتها المتحصلة.
التساؤل بشأن وضع معين هدفه إما توضيح الأمر، ووضع النقاط على الحروف، وكشف الغموض، أو أن يكون تمهيداً لخطوة أكثر تقدماً، حينما لا تكون الإجابات مقدمة لتبريرات مقنعة، وتكشف في المقابل خللاً وقصوراً أو إخفاء لمعلومات مهمة، فإن الأسئلة لابد وأن تتطور وتتحول للمستوى الثاني من أدوات الرقابة، وهنا نتحدث عن الاستجواب.
هذه الأداة بالذات نعاني فيها «شحاً» واضحاً، فالنواب وللأسف يكتفون بمرحلة التساؤلات، ورغم أن هناك حالات عديدة وملفات كثيرة تبين وجود مسؤولية جسيمة يتحملها بعض الوزراء في بعض القطاعات، ومن خلال تحليلها يتضح بأن عملية محاسبة المسؤول لازمة وواجبة، وأن استجوابه أمر مفروغ منه، لأنه الوضع الطبيعي الذي يجب أن يتحقق.
لكن المشكلة حينما لا يصل النواب لهذه الدرجة من ممارسة صلاحياتهم، وحينما نبحث في الماضي القريب سنجد أنه تفصلنا أدوار انعقاد عديدة على آخر عملية استجواب فعلي لأحد الوزراء، وآخر حادثة حصلت كانت نقطة تحسب على النواب وتضع اللائمة عليهم وتكشف أموراً مؤسف وجودها، وأتحدث هنا عن ورقة استجواب أحد الوزراء والتي اختفت من على طاولة النائب المعني، وبعد أن تم إعادة إحياء طلب الاستجواب تناقصت أعداد النواب المؤيدين بشكل مشكوك فيه، وتحول المؤيد لمعارض، وبالتالي أسقط النواب استجوابهم للوزير بأنفسهم.
إن كنتم يا نواب ترون وجود ملفات خطيرة ومهمة فيها قصور، أو تقصير وأخطاء مثلما يوجد في تقارير الرقابة المالية والإدارية، فما المشكلة لو قمتم باستجواب هذا الوزير أو ذاك؟! ما المانع لو ثبتت المسؤولية واتضح بأنه المسؤول عنها بأن ترفعوا طلباً بحجب الثقة؟!
هذه صلاحيات يمتلكها النواب لكنهم لا يستخدمونها، وللتذكير هي صلاحيات موجودة في قانون البرلمان ولوائحه وصادق عليها جلالة الملك حفظه الله، أي أن ملك البلاد يمنحكم كامل الصلاحية في عملكم وبصورة حرة وشفافة، فلماذا لا تستخدمون صلاحياتكم؟! لماذا حينما يكون التقصير ثابتاً، والتجاوز بيناً، والأخطاء جسيمة، لماذا لا تنتقلون من مرحلة التساؤلات إلى مرحلة الاستجواب وإن استدعت الأمور الإقالة عبر طرح الثقة؟!
تغيير الصورة النمطية للنواب ليس بيد أحد، لا هو بيد الدولة والحكومة، ولا بيد الصحافة والإعلام، ولا بيد الناس، بل بيد النواب أنفسهم وعبر استخدام صلاحياتهم وإثبات الجدية.
يكفي التعذر بأن بعض الوزراء غير متعاونين، استخدموا صلاحياتكم، استجوبوا المقصر، وأقيلوا المتخبط في عمله، ولا تسقطوا استجواباً أنتم من تقدم به، لأنها كارثة ما بعدها كارثة.