سؤال نوجهه للجنة الوزارية للشؤون المالية وضبط الإنفاق، هل المبادرات التي تطرح لضبط الإنفاق تأخذ في اعتبارها أن عجلة الاقتصاد الخاص في الدولة تعتمد اعتماداً كلياً -إلى الآن- على الإنفاق الحكومي، سواء على مستوى المؤسسات أو على مستوى الأفراد؟ وأن أي تقليص في الإنفاق يعني تراجعاً في النمو الاقتصادي وفي حركته؟ فهل تم احتساب هذه التبعات وتقديرها حين وضعت تلك المبادرات؟ أم أننا سنفرح بتخفيض ألف هنا وخسارة عشرة في السوق؟
سؤال آخر حين قرر مجلس الوزراء في جلسته الإثنين «9 نوفمبر 2015»، تجميد صرف مكافآت رؤساء وأعضاء المجالس واللجان الحكومية والشركات الحكومية والشركات التي تمتلك الحكومة 50% من أسهمها فأكثر، وأن يستمر هذا التجميد لمدة دورتي ميزانية تشمل الحالية، أثيرت أسئلة حينها وكالعادة تركت بلا إجابة، لم فقط الشركات التي تمتلك الدولة 50% منها؟ ماذا عن الشركات التي تمتلك أقل من 50% ومنها بتلكو على سبيل المثال؟ هل القرارات عشوائية أم مقصودة؟ فإن كانت مقصودة ما هو القصد من هذا الاستثناء؟
وحين كلفت اللجنة الوزارية للشؤون المالية وضبط الإنفاق بوضع الآليات اللازمة لتنفيذ قرار وقف المكافآت حسبما تم اقتراحه من النواب، لم شملت الإجراءات مكافآت «البونس» التي تصرفها بعض الجهات والشركات الحكومية على موظفيها على عكس توصية اللجنة النيابية الحكومية المشتركة بأن لا يمس التجميد الموظفين البحرينيين؟ وهنا نتحدث عن آلاف الموظفين البحرينيين الذين تعتمد مداخيلهم بشكل أساسي على هذا «البونس» وهو حق مكتسب لهم نتاج عملهم.
وحين قررت اللجنة خفض الإنفاق الحكومي على الإعلانات في الصحف بمقدار 30% هل قدرت الحكومة تبعات هذا القرار على وضع مئات الأسر البحرينية التي ترتبط وظائفها بهذا السوق الإعلاني الذي خسر هذه النسبة وعلى آلاف الأسر البحرينية التي يرتبط مصيرها في المؤسسات الصحافية بحجم مداخيلها؟
هذه أمثلة على مبادرات اللجنة الوزارية والتي أكد البنك الدولي أنها لا ترقى إلى ما هو مطلوب لسد العجز، مبادرات حجم التخفيض الذي ستحققه لا تعد شيئاً يذكر في ميزان العجز لكنها بالمقابل ستجر على الوضع الاقتصادي تبعات وخسائر ستكلفنا أضعاف ما وفرناه، فتكون تلك المبادرات كمن أراد أن يكحلها فأعماها.
جدير بالذكر أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني حين خفضت من تصنيفها الائتماني للبحرين أشارت لهذه التدابير الحكومية وقالت «إن تدابير التكيف المالية التي اتخذتها الحكومة البحرينية لمواجهة العجز المالي أثبتت عدم كفايتها في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط، وكذلك القيود الاجتماعية والقدرة التنافسية والتي تعيق من سرعة استجابة الاقتصاد للسياسات المتخذة».
إن الخلل المتأصل في أسواقنا وفي اقتصادنا أنه يعتمد اعتماداً كلياً على ما تضخه الدولة وما تنفقه الدولة دون أن يكون لنا دور في زيادة إيراداتنا وتنويعها، وهذا خلل بحت أصواتنا ونحن ننبه له، ولكن سعر النفط ووفرته كانت تطغى على أصوات التحذير فنمنا في العسل، والنتيجة أنه بالإضافة إلى مواردنا تذهب على شكل رواتب فبند الرواتب يستقطع أكثر من 80% من ميزانيتنا، إلا أن أسواقنا تعتاش وتنتعش وتخلق فرص عمل اعتماداً كذلك على بند المشاريع والمصروفات المتكررة التي تنفقها الحكومة، فنعود مرة أخرى إلى أن الإنفاق الحكومي في المصروفات المتكررة والمشاريع هما ما يعتمد عليه الاقتصاد والسوق البحرينية، مما تسبب لنا بالسقوط من علو حين انخفض سعر السلعة الوحيدة التي نعتاش جميعنا منها سواء كنا في قطاع عام أو قطاع خاص.
وحين تحاول اللجنة الوزارية اليوم أن توفر بضع «عشرات من آلاف» بهذه المبادرات العقيمة لسد عجز تجاوز 1.4 مليار دولار، فإنها تخنق بالمقابل ما تبقى من تنفس للسوق دون أن تكون هناك بدائل.
إنك تقضي على البقية الباقية من اقتصادك.. فهل هذه القرارات مدروسة؟!!
ملاحظة:
بما أن الحكومة ممتنعة إلى الآن عن مخاطبة الناس فلا أحد يعرف كم ستوفر الدولة من هذه المبادرات؟ وكم تبلغ نسبة ما ستوفره من قيمة العجز الإجمالية؟