رغم أننا لا نحتفل بقدوم عام ميلادي جديد ولا نؤيد ما يمارسه البعض من مظاهر احتفالية بعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف، إلا أن المرء يشعر وهو يرى نفسه في آخر أسبوع من العام الذي سينتهي أنه يحتاج إلى محطة تأمل على ما مضى، وهنا يطرح تساؤل من نوع: كيف قضى كل واحد منا أيامه الماضية؟
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لصعق».
الحياة محطة وليست النهاية، الحياة مرحلة من مراحل عبادتك وجسر عبور ولك حرية اختيار طريقة سيرك فيها!
كثير من الناس يردد عبارة «الدنيا ما تسوى»، لكن قليل من يدرك معناها الحقيقي، وقد يدرك الكثير معناها وهم في لحظة الوداع الأخيرة في الدنيا وعند الانتقال إلى الآخرة، لحظتها تومض لهم فكرة أن سعيهم لأمور الدنيا الزائلة «ما تسوى»، لذا كثيراً ما تسمع في اللحظات التي يشعر أن المرء أنه سيفارق الحياة، يوصي بما لم يحرص على الوصية بشأنه وهو في عافيته وقد يسعى لتدارك ما يبرأ ذمته.
مع نهاية هذا العام وبدء عام جديد، الناس اليوم محتاجون لمواجهه أنفسهم بهذا السؤال: هل أنا إنسان محسن أم مؤذي؟ عليهم أن يدركوا أن الله قد يغفر ذنوب العبد التي ما بينه وبين الله، لكنه لا يسقط حقوق الناس وذنوبه التي ارتكبها في حقهم، في هذه الدنيا هناك مكرمة من الله تتمثل في معرفة حكمة الحياة وهي مكرمة تكون كبصيص النور الذي يرشدك للطريق ولا يمنحها إلا لمن يشاء، لربما البشر يختصرون في ثلاثة أنواع: النوع الأول يصحو فترة ثم يعود للغفله وتأخذه الدنيا، أما النوع الثاني فهو المؤذي ودائماً ما يتجسد في عدد من المواقف، خاصة الذي يحاول أن يؤذي البشر بأية طريقة وفرصة تسمح له، يسرق، يزني، ما أن يمر على شجرة حتى يكسر أغصانها، ما أن يرى وردة جميلة حتى يقطع أوراقها ويدوسها، ما أن يرى قطة أو كلب في الشارع يعبر حتى يلاحقه بسيارته ليدهسه أو يحرقه أو يعذبه، وهؤلاء مجبولون على فطرة الضياع والأذى. بينما النوع الثالث مشغول دائماً في الخير، يبحث دائماً عن مساعدة الآخرين، يهرع إلى المحتاجين، ينقب دائماً عن الطرق التي يتربح من ورائها الثواب والتوفيق من الله، يشفق على الآخرين وهو يراهم يتنافسون على امور الدنيا وفي تنافسهم ينسون مكاسب الآخرة العظيمة، يشفق أكثر على من يطغى بنعم ربه وينسى أن نهايته «قبر طوله شبر في شبرين»، وذلك مرقده ومسكنه الدائم! تجده في أغلب الأحيان إنسان عادي وبسيط ولكن خلف الكواليس له حياة أخرى لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وهو يتعمد ذلك «قيل أدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين»، فهو لا يكره عندما يصادف النوع المؤذي إنما يحزن ويتألم لكونه تمناه من القوم الصالحين واكتشفه من المفسدين!
* إحساس عابر:
روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة»، رحم الله شهداءنا البواسل وخالص التعازي والمواساة لذويهم.