قال المولى عز وجل في الآية 179 في سورة البقرة: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون». صدق الله العظيم.
وفي تفسير الآية الكريمة بين كثير من علماء المسلمين والمشايخ الحكمة الإلهية من القصاص، فقال الإمام البغوي: «ولكم في القصاص حياة، أي بقاء، وذلك أن القاصد للقتل إذا علم أنه إذا قتل يقتل، يمتنع عن القتل، فيكون فيه بقاؤه وبقاء من هم بقتله».
كما قال الحافظ بن العماد بن كثير: «وفي شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل حكمة عظيمة، وهي بقاء المهج وصونها، لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنيعه، فكان ذلك حياة النفوس»، وقال الجلال السيوطي: «ولكم في القصاص حياة، أي بقاء عظيم يا ذوي العقول، لأن القاتل إذا علم أنه يقتل ارتدع فأحيا نفساً».
ولو أردنا الإسهاب في هذا الموضوع وما ذكره السلف الصالح فلن ننتهي، لكن بيت القصيد بأن القصاص «شرع» من الله خالق الكون، وليس بدعة من عمل البشر، وله حكمة صريحة وواضحة، هدفها حماية البشر، وردع المعتدي، وإيجاد العبرة عل آخرين يرتدعون عن ارتكاب نفس الفعل.
ولربط هذا بما نريد قوله، فإننا في السنوات الماضية شهدنا صدور أحكام رادعة من قضاء البحرين بشأن قضايا معنية بالإرهاب، بعضها قام المتهمون فيها والذين ثبتت عليهم الإدانة بإزهاق الأرواح عن قصد وعمد وترصد، خاصة من خلال استهداف رجال الأمن الذين يؤدون رسالة سامية هي الدفاع عن أمن البلاد والعباد، والتصدي لشر الأفعال ولصناع الإرهاب وممارسي القتل ومتجاوزي النظام.
في حكم الله لا تبرير لقاتل يقتل البشر، والجزاء من جنس العمل، وذكر هذا نصاً صريحاً في القرآن الكريم الذي لا يشكك فيه ولا يقبل به إلا خارج عن الملة أو غير مسلم وغير مؤمن بدين الله، بالتالي أحكام القصاص التي تصدر بحق أشخاص ثبت عليهم القيام بالقتل لا يحاجج فيها إلا معترض على شرع الله، أو شخص مؤيد للإفساد في الأرض وقتل النفس، ومشارك للقاتل في جرمه.
هناك من يحاول تبرئة المجرمين، ولسنا هنا نتحدث عن توفير المرافعة العادلة التي يمكنها أن تكشف أموراً قد تبرئ ساحة المتهم، أو تبين أنه ليس من قام بالفعل الآثم، بل نتحدث عمن يدرك أن هذا الشخص أو ذاك قاموا بالقتل وشرعوا به وخططوا له، ومع ذلك يجتهدون لتعطيل شرع الله، ويستميتون لتبرئة المجرم، مستهينين بحق أهل المقتول بدم ابنهم، ومتجاهلين للحق العام القائم على أنظمة وقوانين الدولة.
من يتعاطف مع الإرهابي هو إرهابي مثله، ومن يدافع عن قاتل، هو شخص مؤيد للجريمة التي قام بها، بالتالي هؤلاء لابد وأن يكون لهم جزاء وردع، فلسنا في دولة كافرة تقبل بأن يتم الانتقاص من شرع الله، أو التطاول على الحقوق المدنية والدوس على أمن الناس واستهداف أرواحهم أو الترويج لهذه الأفعال، وتصوير المجرم على أنه مناضل وبطل.
من ارتكبوا هذه الجرائم، ارتكبوها وهم في كامل قواهم العقلية، وباعترافهم وبوجود الأدلة والبراهين، لم يرتكبوها وهم في حالة «تنويم مغناطيسي» أو تحت تأثير التهديد أو الإكراه، بالتالي هم يعرفون أن ما يقومون به نتيجته القتل، وبالتأكيد يعرفون عقوبة الشروع في القتل وتنفيذ الجريمة نفسها، يعرفون ما يقوله الشرع، ويعرفون ما تنص عليه القوانين، وعليه فإن التماس العذر ومحاولة تبرئة من قتل روحاً بريئة قاصداً «هرطقة» لا تقبل من صاحبها، و«إساءة» للشرع والقانون.
من يتباكى اليوم على من تصدر بحقهم الأحكام باختلاف وتباين درجاتها، عليه أولاً أن يترك عنه أسلوب «أشقاء يوسف» حينما بكوا على قميصه وهم من عمدوا لقتله، هو يعرف بأنه يتحدث عن مجرم ارتكب جريمة، بغض النظر عن أسبابها ودوافعها، وكثير من الحالات الصادرة فيها أحكام تتعلق بجرائم ارتكبت باسم مناهضة النظام والانقلاب على قوانين البلد، مدفوعة بأجندات سياسية ونزعات طائفية.
كان حرياً بمن يتباكى اليوم أن يعمل قبل وقوع هذه الجرائم لردع من تسول له نفسه ارتكابها، كان حرياً به أن يتحدث بصراحة عن القوانين وعن شرع الله، وكيف أننا نعيش في دولة لا غابة، كان عليه أن ينصح من يحاول تبرئتهم اليوم بأن يكفوا يد الإجرام والإرهاب، كان حرياً عليه بأن يقف أمام تلك الجمعيات المحرضة الدافعة للبشر والشباب للموت وأن يصرخ فيهم بأن كفى متاجرة بدماء البشر. لا أن يقف لنا اليوم ليطالب بتعطيل الشرع وإنصاف الحقوق بتبرئة قاتل ارتكب جريمة وهو مدرك لها.
إيجابي ما نراه اليوم من خلال إصدار أحكام رادعة متسقة مع شرع الله بحق الجرائم التي شهدتها البحرين. القانون وضع ليحترم، ودماء الناس ليست لعبة في يد العابثين والإرهابيين.