من يتابع فضائيات «العالم» و«المنار» و«الميادين» و«المسيرة» وغيرها من الفضائيات الإيرانية أو الممولة من إيران والمحسوبة عليها يعتقد أن المتبقي من عمر الحرب في اليمن لا يزيد عن أربع وعشرين ساعة، يخرج بعدها الناطق باسم «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، ليعلن استسلام قوات التحالف بقيادة السعودية! ومن يتابع ما تبثه تلك الفضائيات عن البحرين يعتقد أن المدة الزمنية نفسها هي ما يحتاجه الأمر ليخرج بعدها ناطق باسم «المعارضة البحرينية» ليعلن انتصارها وتسلمها للسلطة!
ما تسعى إليه تلك الفضائيات عبر برامجها وأخبارها هو إلباس ثوب الوهم هذا للناس في كل مكان، معتقدة أنها بهذه الطريقة يمكن أن يتحقق مراد من يقف وراءها ويمولها. المثير في الأمر هو أن البعض يرتدي هذا الثوب عن طيب خاطر ويتنقل به في كل مكان رغم أن آلاف الساعات تمر على الساعات الأربع والعشرين تلك من دون أن يتوفر فيها مؤشر ولو بسيط على تقدم «قواتها» أو «معارضتها» هناك أو هنا.
من يتابع تلك الفضائيات سيجد أخباراً تبث عدة مرات يومياً بصفة عاجل عن «مصرع العشرات في مأرب، ومقتل وجرح المئات في شبوة أو البيضاء أو على الحدود بين السعودية واليمن، وتدمير العشرات من الآليات وناقلات الجند والدبابات»، وغير هذه من أخبار لا أساس لها من الصحة وبعيدة عن الواقع، بل إن إحصاء أعداد الشهداء من قوات التحالف الذين استمرت تعلن عنهم منذ أن بدأت هذه الحرب يمكن أن يفوق عدد قوات التحالف كله.
هذا يعني أن إيران تعتمد الإعلام الكاذب في تعاملها مع تطورات الأحداث في أي مكان. فهي تكذب وتكذب وتكذب حتى تصل إلى مرحلة تصدق فيها كذبتها فتعتقد أنها حقيقة فتعمل على إيهام الناس في كل العالم بها.
الصور والأفلام في أي حادث يقع في اليمن على سبيل المثال تبين أنه حصل بهذه الكيفية ولهذه الأسباب، والناس ترى تلك الصور والأفلام وتصل إلى قناعة بأن الحادث وقع في ذلك الوقت لنفس السبب المعلن عنه أو ذاك، ومع هذا تأتي تلك الفضائيات لتقول إنه لم يحدث بهذه الكيفية ولا لهذه الأسباب وإنما حدث بكيفية أخرى ولأسباب أخرى، وتنشر تلك المعلومات على أنها هي الحقيقة التي لا حقيقة بعدها، وبالطبع يصدقها من هو واقع تحت تأثيرها ويعتقد أن الإعلام الإيراني لا يعرف الكذب وأنه نزيه.
الطائرة البحرينية التي سقطت ونجا قائدها سقطت بسبب خلل فني، وكان هذا واضحاً ومنطقياً وصدر به تأكيد رسمي من البحرين ومن قوات التحالف، ومع هذا بثت تلك الفضائيات الخبر بصيغة التشكيك حيث تم التركيز على عبارة «من المرجح (....)»، أما من الذي يرجح هذا فجوابه عند تلك الفضائيات الإيرانية.
الأسلوب نفسه تمارسه تلك الفضائيات مع تطورات الأحداث في سوريا، فمن يتابع ما تبثه عن الوضع هناك يعتقد أن الزمن المتبقي لانتصار بشار الأسد أربع وعشرون ساعة فقط يتم بعدها الإعلان عن استسلام المعارضة السورية وكل من يدعمها وعن نهاية تنظيم الدولة «داعش»، أما ما يحققه النظام السوري و«حزب الله» اللبناني من «انتصارات» هناك فيفوق الوصف ويؤكد أن المسألة لا تحتاج بالفعل إلا إلى تلك الساعات. الفارق أنه إذا أسقطت طائرة من طائرات النظام هنا تقول إنها سقطت بسبب خلل فني وإذا دمرت قوات النظام قرية بأكملها تجتهد لإقناع العالم بأن المعارضة السورية هي من قام بذلك. وهنا أيضاً يصدق من تمكنت من إلباسهم ذلك الثوب كل ما تقوله وتجزم أنه الحق وأن غيره وإن توفر عليه ألف دليل ودليل هو الباطل.