تمر المملكة العربية السعودية بتحولات جذرية في نظامها الاقتصادي والاجتماعي هذه الأيام شبيهة ببدايات مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي خضناه في البحرين عام 2004، وهي بدايات كانت مبشرة وواعدة عندنا رغم كونها تغيرات تمس جوانب عديدة من النظام الاجتماعي إنما شابها الجمود وأفرغ العديد من مبادراتها من فحواها وجوهرها.
المثير للاهتمام والذي يستحق المراقبة الحثيثة عن قرب هو الاختلاف في طريقة التعاطي السعودي مع ذات الإجراءات والحزم الاقتصادية التي كنا ننوي اتخاذها مما يمنح هذه الإجراءات فرصة للنجاح لم تتوفر في البحرين.
فالمملكة العربية السعودية اعتمدت نهجاً يعتمد على إشراك المواطن السعودي بقناعات موجودة في عقل المسؤولين عن اتخاذ القرارات كي يكون معها على الخط أولاً بأول.
نهج يجعل المواطن السعودي يؤمن بما يؤمن به المسؤول ويقتنع بما يفكر به المسؤولون ليتحرك معهم لا ضدهم أو عكس اتجاههم، سياسة إعلامية مهمتها إيصال القناعة التي لدى المسؤول للمواطن بأن تلك القرارات وإن كانت صعبة إلا أنها من صالحه، كيف؟
المسؤولون في السعودية وضعوا تغيير قناعات المواطن السعودي مسؤولية سياسية لا تقل في أهميتها عن مهمة تنفيذ وتطبيق الإجراءات التقشفية التي ستتخذ فأوكلوها لمن له تجربة ناجحة في إدارة وسائل إعلامية وتاريخ من الإنجازات في هذا المجال فوزير الإعلام الدكتور عادل زيد الطريفي، كان يشغل سابقاً منصب المدير العام في «قناة العربية»، وهو باحث وخبير سياسي ومعلق في الشؤون السياسية في الفضائيات الإخبارية العربية والدولية، وكاتب صحافي سبق وأن رأس تحرير صحيفة الشرق الأوسط ومجلة المجلة، وقبلها كان كاتباً في صحيفتي الوطن والرياض السعوديتين. حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
ولأن هذه المهمة ليست مهمة (وان مان شو) فبدون فريق لا يقل عنه خبرة وتجربة لا يستطيع الرجل أن يفعل المعجزات، لذا فإن طاقم المهنيين عرف كيف يضع استراتيجية إعلامية تواكب وتصاحب وتتزامن مع القرارات الاقتصادية الصعبة التي ستتخذ، وهذا ما فات على القائمين بإنفاذ قرارات الإصلاح الاقتصادي في البحرين إلى اليوم وحتى اللحظة مازالت البحرين تجهل وتقلل من شأن الإعلام ودوره في تحويل المواطن إلى شريك خاصة ونحن نتقشف ونشد الحزام ونخوض حرباً في ذات الوقت.
السعودية للمقارنة اتخذت عدة إجراءات لتصل لعقل المواطن السعودي بدأت بأوامر واضحة للوزراء كل في اختصاصه تأمره بالظهور الإعلامي المنظم ولم تترك الأمر للاجتهادات الخاصة، فهناك جدول زمني موزع على الوزراء للظهور في مختلف القنوات الفضائية «الإخبارية» و«العربية» و«السي بي سي» الاقتصادية لكل وزير ثلاثة إلى أربعة لقاءات تلفزيونية ومؤتمرات صحافية محددة بالموضوع ومحددة بالوقت ومحددة بالقناة لتفسير وشرح وتوضيح أسباب ونتائج وتبعات هذه القرارات التي ستتخذها المملكة، تم الترتيب لها وإخطار الوزراء بها، جاسر الجاسر وزير المالية له ثلاث مقابلات ومحمد آل الشيخ له ثلاث مقابلات ووزير البترول مقابلتان ووزير الكهرباء ووزير الاقتصاد والتخطيط، أبلغوا بالموعد وبالمدة والتزام جميع الوزراء بها، هناك خلية نحل إعلامية تعمل ويستجيب لها كافة المسؤولين بلا تردد.
تم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فاعل وذلك مسار آخر تتحرك عليه الحملة الإعلامية غير المسار التلفزيوني، بفريق متخصص في فن الرسائل الإعلامية يبسط الإجراءات ويشرحها ويعقد المقارنات بين وضع المواطن السعودي ومواطن الدول الأخرى من حيث المزايا ومن حيث الاستهلاك برسوم توضيحية وبجداول تجعل من المعلومة الاقتصادية المعقدة سهلة وفي متناول فهم الجميع.
كل مسؤول له حساب على وسائل التواصل الاجتماعي مسخر للإجابة على الاستفسارات ولشرح السياسات (لا داعي أن أشرح كيف تدار حسابات بعض وزرائنا)!!
رفع سقف التعبير في وسائل الإعلام إلى درجة غير مسبوقة فزاد عدد البرامج الحوارية على جميع القنوات ليسمع المواطن صوته ويتلقى الإجابة، لأن المهمة هي الوصول لقناعة المواطن السعودي وبمجرد اعتبارها مهمة لا تقل في أهميتها حزمة القرارات بحد ذاتها نجحت السعودية في تخطي أهم عقبات التحول.
إن ما قامت به السعودية كان عكس ما قامت به البحرين تماماً، السعودية أرسلت بهذه الحملة عدة رسائل للمواطن السعودي يأتي على رأسها رسالة هامة تقول، أنا أحترمك أيها المواطن، أحترم عقلك، لذلك مهمتي أن أقنعك، لا أن أجبرك ولا أفرض عليك ولا ألغي رأيك..... شتان بين السياستين رغم أن الإصلاحات واحدة والإجراءات التقشفية واحدة.
إن إدراك القائمين بأهمية جعل المواطن السعودي قوة دفع مساعدة لا قوة دفع سلبية معيقة ساخطة رافضة تعيقك وتحد من حراكك كما حدث عندنا في البحرين، قطع نصف المشوار على أصحاب القرار، سهل عليهم المهمة، إن الشرح والتفسير والتواصل لم يقف عند المنفذين فقط بل ذهب إلى المستهلكين مباشرة ودون وسطاء، كان الخطاب مباشر بين المسؤول والمواطن فاختزلت المسافة.
إدراك المملكة العربية السعودية مدى حرج وصعوبة هذه المهمة خاصة في وقت تخوض فيه المملكة العربية السعودية حرباً على أكثر من جبهة محلية وخارج حدودها ينم عن حرفية القائمين على الإعلام لأن وزارة الإعلام في هذه المرحلة مهمتها تعادل مهمة وزارة الدفاع ووزارة الاقتصاد معاً.