تحدثت في عمودي السابق عن «الضمائر» اللغوية وعن سحر وبيان اللغة العربية، وفي مقالي هذا اواصل معكم الحديث حول عظمة وبلاغة اللغة العربية.
التشبيه، وهو عقد مقارنة بين طرفين باستخدام أداة تشبيه، وأنواع التشبيه كثيرة، كالتشبيه التام والتشبيه المؤكد والتشبيه المجمل والمفصل والبليغ.
«طاح واقف»، أو «يطيح واقف»، من العبارات المستخدمة باللهجة الدارجة، وتعني حرفياً أنه «سقط واقفاً»، بمعنى أن سقوطه كان كأن لم يكن، وهي جملة تقال للشخص المحظوظ الذي تكون حتى هفواته في صالحة دائماً.
وعبارة «طاح واقف» من ناحية لغوية تعتبر «تشبيهاً بليغاً»، ويحمل هذا التشبيه البليغ تضاد رائع، يوضح معنى الجملة من خلال هذه التركيبة اللغوية الفريدة! وللتوضيح أكثر فإن هذه العبارة «طاح واقف» تطلق على الأشخاص المحظوظين فمثلاً عندما يخفق أحد المسؤولين في إدارة مكان معين وعوضاً عن الاستغناء عنه يتم الاستعانة به لشغل وظيفة أخرى أكبر وأفضل وأكثر راحة وأكثر مزايا وقد تكون أكثر قرباً من متخذ القرار.
وعبارة «طاح واقف» هي فعلاً تشبيه بليغ لما يحدث في مجتمعاتنا العربية، ولهذا نرى ذات الوجوه في كل مكان.
فمعظمهم - اللهم لا حسد - «يطيحون واقفين»، فما إن نسمع عن إعفاء مسؤول من مكانه إلا ونسمع بعد فترة وجيزة عن تعيينه في مكان آخر، وكأنه «ما فيه في هالبلد إلا هالولد»، بمعنى أنه لا يوجد أحد سواه في البلد!
للعلم انا من أنصار الاستفادة من الخبرات، ولكني أؤمن بأن من لم ينفع في مكان ما، لن ينفع في المكان الجديد، وإننا في وضع حرج يستلزم علينا أن نضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ليس هذا فحسب، فكما قلتها مسبقا أنه يجب أن يقيم المسؤول أسوة بالموظف، بل يجب أن يكون تقييمه أهم من تقييم الموظف باعتباره المحرك الإداري الرئيس في مكان العمل، وإنه إذا صلح صلح باقي الموظفين، وإذا فسد فسد باقي التابعين له. ويجب أن تكون لكل مسؤول أهداف ومعايير تقييمية واضحة مرتهنة بجدول زمني. وإذا أخفق المسؤول عن الالتزام والوفاء بهذه الأهداف يجب أن يعتذر ويرحل لا أن يوضع في مكان آخر.
ما أجمل لغتنا العربية الزاخرة بمفرداتها الجميلة التي تحمل التشبيه البليغ والمختلط بالتضاد كعبارة «طاح واقف»، وغيرها من العبارات ذات التراكيب اللغوية الرائعة.
ولا يفوتني أن أهنئكم بالعام الجديدة متمنية لكم سنة لا تقعون فيها إلا وقوفاً! سائلة المولى عز وجل أن يديم علينا نعم الأمن والأمان والرخاء، ويسبغ على قيادتنا الغالية موفور الصحة والعافية، ويسخرنا لما فيه خير هذا البلد المعطاء.