ليس معيباً أن يواجه المجتمع مشكلة ما، فالمشاكل إن كانت متوقعة أم غير المتوقعة هي أمر اعتيادي يمكن أن يحدث هنا وهناك، ولكن المعيب أن لا يكون المجتمع على «قد» الحدث وأن يواجه المشكلة بسياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
ليلة رأس السنة، حملت احتفالاً جميلاً يترقبه العالم بأسره في دبي، وأعطت درساً إعلامياً حضارياً راقياً في طريقة التعامل مع حادث الحريق الذي أصاب فندق «العنوان» في أحد أبرز المواقع وأكثرها اكتظاظاً في الإمارات.
حريق فندق العنوان .. مشكلة غير متوقعة، تشاركت في مسؤولية التصدي له كل من شرطة دبي والدفاع المدني والإعلام الإماراتي، إذ نجحوا في تحويله من مشكلة تعكر صفو الاحتفالات، إلى حادث زاد من شعبية الإمارة من جهة ووثق ثقة الناس مواطنين ومقيمين وزوار بجاهزية دبي العالية من جهة أخرى، فالحريق أدير ووظف إيجاباً لا سلباً لصالح الدولة.
لنتأمل مفاصل الحادث، كان المشهد في دبي كالتالي.. جماهير غفيرة في انتظار الاحتفالات المبهرة بليلة رأس السنة، ازدحام شديد في الساحات والفنادق والطرقات، حريق مفاجئ تصاعدت على أثره النيران لطوابق عديدة، حالة خوف حولت حالة انتظار «الفرح» إلى ترقب «الترح».. وهنا كان الدرس الجميل لا على صعيد تقبل المشكلة فقط بل على صعيد التعامل معها وتوظيفها لصالح دبي لا ضدها.
كيف كانت طريقة التعامل؟ لم تكن قطعاً «كالنعامة»، لم نسمع عن الحادث عبر الهواتف أو في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن نقل الحدث في قنوات إخبارية من خارج الإمارات وحدها، بل كان الإعلام الإماراتي أول من ينقل الحدث، حاضراً وبقوة في توضيح قوة التعامل مع الحدث.
كان الإعلام الإماراتي أول من بين وجود حادث حريق في هذا الوقت الحساس، وبدء تطبيق حرفيته العالية في نقل ومعالجة الخبر وتوضيح أبعاده بمصداقية وشفافية جعلته مثالاً إعلامياً يحتذى به - كعادته - فلم يكتف بتوضيح المشكلة بل أعلن عن الخبر ونقل حيثياتها ببث مباشر وبكاميرات تبين وجود الحريق من جهة والجماهير الغفيرة التي لم تحرك ساكناً في انتظار الاحتفالات من جهة أخرى في نفس الرقعة الجغرافية وبمسافة بسيطة.
نقل الإعلام الإماراتي الصورتين معاً مع تزامن الإعلان عن استمرار الاحتفالات، وهذا الإعلان السريع كان «ضربة معلم»، كل ذلك كان متماشياً مع توضيح جهود الدفاع المدني، ووجود متحدثين رسميين في الوقت ذاته ودون تأخير يشرحون طرق المعالجة ويبينون جاهزيتهم العالية في التصدي لأي حادث طارئ يمكن أن يحدث.
هل تم التعتيم على وجود حريق هائل؟ لا
هل تم التستر على وجود إصابات؟ لا
هل نجحت دبي في التعامل مع الحدث بتميز؟ نعم
إن هذه المصداقية هي التي جعلت من دبي نموذجاً مشرفاً لائقاً بالاحترام العالمي، فالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس الإماراتي رئيس الوزراء حاكم دبي، شكر رجال الإنقاذ لطريقة تعاملهم مع الحريق معتبراً أن دبي «عنوان المدينة الحضارية»، وهي كذلك.
أيضاً نشر الشيخ محمد بن راشد عبر حسابه على موقع «تويتر» صورة لأحد رجال الإنقاذ وهو يقبل رأس زميله ويبدو عليهم آثار تعاملهم مع الحريق، قائلاً: «كلمتي لرجال الدفاع المدني والشرطة والإسعاف.. رفعتم الرؤوس وأثبتم كفاءتكم أمام العالم.. شكراً لأبناء الإمارات المخلصين».
بعد ساعتين على التعامل المهني الجميل من جميع الأطراف، كان فيه الدفاع المدني والإعلام نجما الحدث، وبعد إخلاء الفندق، ومحاولة السيطرة على الحريق، ومن ثم عملية تبريد الحريق، قدمت دبي عروضاً مذهلة بالألعاب النارية احتفالاً بقدوم العام الجديد دون تغيير خطط الاحتفالات التي كانت مقررة، والعالم كله ينظر إليها بإعجاب.