ما قامت به إيران منذ اللحظة التي تم فيها تنفيذ حكم الإعدام في السعودي نمر باقر النمر ولاتزال لا يمكن إدراجه إلا تحت عنوان واحد هو «التصعيد بهدف زيادة التوتر في المنطقة أملاً في تحقيق غايات معينة»، ففي غير هذه الأجواء لا تستطيع إيران أن تعيش ويصعب عليها تحقيق مرادها، ما يعني أنها اعتبرت الحدث الأخير فرصة حرصت على عدم تضييعها، فبعض الفرص لا تتكرر، ولهذا سخرت كل وسائل إعلامها وخصوصاً فضائياتها وتلك التابعة لها والمحسوبة عليها لشحن العامة ضد المملكة العربية السعودية وتوفير المبرر لمهاجمتها إعلامياً أو بالأحرى زيادة الجرعة الإعلامية المقررة ضدها.
لا شماتة في الموت، وكل من اتخذ موقفاً مؤيداً لقرارات الشقيقة الكبرى لم يرفده بالشماتة وإن اعتبر تنفيذ الأحكام مبعث فرح لانتصار الحق، فالتأييد جاء من منطلق قناعات بأهمية محاربة الإرهاب ومحاسبة المخطئين ومن منطلق أن السعودية مارست حقاً لا يحق للآخرين التدخل فيه كونه شأناً داخلياً.
المثير هو أن إيران اهتمت بالتركيز على مسألة الشماتة رغم عدم توفرها، واهتمت بالتركيز على أنه لا يجوز لأي بلد أن يتعامل مع أي عمامة من دون التنسيق معها، أي أنها كانت مهتمة بإقناع العالم بأنها المعنية بأمور الشيعة في كل مكان وأنه كان ينبغي من السعودية التشاور معها والعمل على إقناعها بل حتى أخذ الإذن منها!
خلال اليومين الماضيين حرصت إيران بكل ما تمتلك من حيل وطرق ووسائل على شحن العامة في العديد من البلدان ضد السعودية وسعت إلى التصعيد لتوتير المنطقة، ولهذا لم تستضف فضائياتها شقيق النمر الذي اتسمت تصريحاته لإحدى الفضائيات العربية فور انتشار الخبر بالهدوء وبالدعوة إلى الابتعاد عن أي ممارسة خاطئة وغير سلمية، فمثل هذه التصريحات لا تخدم توجهاتها بل تحرجها كونها صادرة عن الرجل الأقرب إلى من تم تنفيذ حكم الإعدام فيه.
لا تفسير لردة فعل إيران المبالغ فيها على إعدام النمر سوى أنها تريد توتير المنطقة والاستفادة من الحدث لتحقيق أهداف لم تعد خافية على أحد، ولهذا لم تكتف بشحن العديد من المجموعات في العديد من البلدان التي تسيطر على مقدراتها أو لها تأثير على أفراد فيها ولكن عملت على التحريض الذي أوصل البعض إلى مرحلة الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد وإلى التهديد بتنفيذ عمليات «في عقر دارها» كما جاء في تصريح لإحدى الجماعات المتطرفة في العراق التي تمكنت من تنفيذ عدد من المسيرات في شوارعه.
كل ما قامت به إيران خلال اليومين الماضيين وما صرحت به يعين على القول بأنها قررت استغلال موضوع أحكام الإعدام التي تم تنفيذها في السعودية وخصوصاً ضد نمر النمر للدخول في المرحلة الجديدة من خطتها الرامية إلى نشر الفوضى في دول مجلس التعاون وقررت أن تستفيد من هكذا أحداث لشحن البعض في البحرين، فمثل هذا الحدث يسهل عليها استغلال بعض التواريخ التي يتم الإعداد لاستغلالها هنا من قبل البعض منذ فترة، ويسهل عليها شحن الآخرين في إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن ضد كل من تريد الإساءة إليه.
مثال على التصعيد الإيراني بغية زيادة التوتر في المنطقة مستفيدة من حدث أحكام الإعدام في السعودية قيامها باستدعاء القائم بأعمال السفير السعودي للمملكة في طهران، فليس في العرف الدبلوماسي ما يتيح لوزارة الخارجية في أي بلد باستدعاء سفير أي بلد أو قائم بعمله لتسليمه مذكرة احتجاج على قيام بلده بممارسة حق له في حدوده، ومن ثم لا تفسير لهذه الخطوة سوى سعيها لتحقيق ذلك الغرض الذي يعينها على تحقيق غاياتها المفضوحة.