نحن بحاجة إلى تعزيز الهوية العربية الخليجية في البحرين من جديد، ونضع خطاً تحت كلمة «الخليجية»، نعم لا يستغرب أحد إذا قلنا إن الهوية تحتاج لتجديد، فالهوية عرضة للاختراق والوهن والغياب، وقابلة حتى للغياب، ولا يجب أن تتخلى الدولة عن مهمة الحفاظ عليها وصيانتها وتعزيزها فتلك مهام للدولة بالنص الدستوري، ولا حاجة للقول أو التذكير بخطورة فقد الهوية على أمن الدولة وسلامتها، يكفي للدلالة على خطورة ذلك الفقدان أو الضياع أو حتى الالتباس. إن أي شخص أو أية جماعة فقدت هويتها الأصلية ومدت جذورها لهويات أخرى أن هذا الامتداد الجديد يستبيح ويجيز ويعطي الأولية للهويات الجديدة على حساب الهوية الأصلية.
نحن اليوم في البحرين وفي الخليج العربي نخوض حرباً من أجل هذه الهوية ويموت من أجلها شباب من أبنائنا، لذا فإن تعزيز مفهومها يبدأ من جعل قرار مشاركة قواتنا العسكرية الآن مع إخوتنا في المملكة العربية السعودية في حربها قراراً شعبياً لا قراراً يخص القيادة فحسب، ومن أجل ذلك لابد من جدل يصب في إبراز هذه الهوية ودور قواتنا المسلحة في حمايتها، ووصولاً بهذا الجدل إلى كل ما يدفع باتجاه حفظ وصيانة الهوية شكلاً ومظهراً ولغة وذوقاً، بجهد يتجاوز مجرد أغان وأبيات شعرية وأجواء احتفالية فقط، مع عدم التقليل أو الاستهانة بدور الشعر والغناء، إنما نحن نتكلم عن «مشروع وطني» متكامل له أهداف وجدول زمني لتحقيقه وميزانيته، وتكلف كل جهة بمسؤولية محددة تتجاوز المظاهر الاحتفالية لتصل إلى وضع تشريعات تتضمن عقوبات وتبعات على من يسيء لهذه الهوية أو لا يحترمها.
وللعلم ليس التجنيس وحده ما يهدد هذه الهوية كما سيردد البعض منا لأغراض في نفسه، رغم اتفاقنا على أن التجنيس دون وجود خطة دمج لمن يتم تجنيسهم ودون إلزامهم كما غيرهم باحترام الهوية الوطنية عامل خطر ومهدد للهوية فعلاً، إلا أن الانسلاخ عن الهوية بقرار ذاتي واختياري من بحرينيين عرب اقتلعوا هم أنفسهم جذورهم بأيديهم وارتموا في حضن هوية أخرى لا يجمعها معهم غير المذهب أخطر ألف مرة من التجنيس، لقد نزعوا هويتهم حتى اكتست شخصياتهم هوية جديدة فأصبح لهؤلاء شكل جديد وشخصية جديدة بعيدة كل البعد عن الذائقة الخليجية ضمناً ومظهراً وصولاً حتى للميول الفنية، ذلك الاكتساب الجديد أخطر ألف مرة وأكبر وأشد شراسة وتهديداً للأمن الوطني وسلامته.
فمن يختار أن ينزع نفسه من جذورها وينزع أبناءه معه دون إجبار ودون فرض رغم أن الهوية جذور تفرضها الأرض والتاريخ فإن هي نزعت من الإنسان فإنه يصبح كائناً هلامياً مسخاً لا ملامح له، وهذا ما نراه من بحرينيين هم عرب هم خليجيون لكنهم فقدوا النطق واللهجة واللباس والذوق واللحن، انتزعوا الروابط واحداً تلو الآخر فلم يتبق من عروبتهم ومن خليجيتهم ذرة انتماء، كائنات يحملون الجواز البحريني لكنهم انتزعوا جذورهم بملء إرادتهم، رجلهم هنا لكن قلبهم في مكان آخر، فضاعوا، السعودي لا يعني لهم شيئاً والقطري لا يفهمونه والإماراتي غريب عنهم، هم أقرب للعراقي الجنوبي هم أقرب للإيراني، ذلك مسخ للشخصية ستتناقله الأجيال إن لم تقم الدولة بدورها وتنقذ ما يمكن إنقاذه.
تعزيز الهوية لن ينتهك التنوع المذهبي الديني أبداً ولا علاقة له بمن وكيف تعبد ربك، كما وأنه لن يقفز على التنوع العرقي بل يحترمهما، فالأول خيار عقائدي لا يفرض بقانون والثاني جينات لا يد لنا فيها، ولكن تعزيز الهوية يجد الأرضية المشتركة التي يقف عليها الجميع كثوابت لا يتنازل عنها ويضعها خطاً أحمر بقوة القانون وبالتشريعات وبالتدابير الملزمة مادام هذا الإنسان يحمل الجواز البحريني فلابد أن تكون هويته واضحة محددة عربية خليجية.
ولمن يهزأ ويستهين ويستصعب إمكانية تحقيق ذلك الهدف مع من كانت جذوره غير عربية، نذكره بأن الأصعب هو أن نعيد غرز جذور عربية خليجية اقتلعت من تربتها مع سبق الإصرار والترصد، لكن لابد من أن نقوم بهذه المهمة ولابد للدولة أن تحفظ هويتها.
ختاماً؛ اقرؤوا الميثاق مرة أخرى لتعرفوا أن عنوان المقال اليوم هو الفصل الأول في الميثاق وإن كان العنوان يتحدث عن «البحرين» لا «البحريني».